المشهد اليمني الأول | ضرار الطيب
محاصراً بين التزامات اتّفاق السويد التي يواصل عرقلتها ويرفض تنفيذها بوضوح، وبين الضربات الصاروخية والجوية النوعية المتواصلة على منشآته ومطاراته، يندفعُ النظامُ السعودي متهوراً لـ “التحرش” باتّفاق الحديدة؛ بغية إفشاله، سواء من خلال تصعيد التحَــرّكات العسكريّة على الأرض وتكثيف الخروقات وعمليات القصف على المحافظة، أَو عن طريق الدفع بحكومة المرتزِقة لإعلان فشل الاتّفاق بشكل استباقي، أَو باختلاق أكاذيب حول أمن حركة الملاحة في البحر الأحمر لتبرير الانقلاب على الاتّفاق، والعودة إلى مربّع التصعيد ضد الساحل الغربي: المربع التي تتخيل الرياض أنه قد يكون “مخرجاً عسكريًّا”؛ لتحشيد الدعم الدولي وكسر حالة العجز والهزيمة، لكنه خيال لا يدعمه الواقع، فمع كُــلّ خطوة نحو إفشال الاتّفاق، تصعد إلى الواجهة تحذيراتُ قائد الثورة والقيادة العسكريّة للجيش واللجان من “رد غير مسبوق”، وهي تحذيراتٌ يشهد لها الواقعُ وتشهد لها المنشآتُ السعودية نفسُها.
مساعي السعودي للانقلاب على الاتّفاق بلغت ذروةً جديدة، أمس الأحد، عندما نقلت وسائلُ الإعلام السعودية عن ما أسمتها مصادرَ قريبةً من الفارّ هادي، تأكيداً على أن حكومة المرتزِقة “تدرس حالياً تعليقَ التزاماتها باتّفاق ستوكهولم” وأن مسؤولي المرتزِقة سيبلغون المبعوثَ الأممي بذلك اليوم الاثنين.
إعلانٌ وإن ظهر بشكل غير رسمي، إلا أن سياق الأحداث يؤكّـــد مضمونه، فهو يأتي ضمن سلسلة متتابعة ومتصاعدة من الخطوات والمحاولات التي يسلكها النظام السعودي هذه الفترة لتكريس مسألة “ضرورة” إفشال الاتّفاق، في الوقت الذي تتصاعد فيه الخروقات الميدانية من جانب مرتزِقة العدوان داخل محافظة الحديدة، والتي وصلت إلى حَــدّ قصف مقر الأمم المتحدة هناك، وتنفيذ عمليات زحف عسكريّ داخل المدينة.
ويتضح ذلك أَيْضاً من خلال تناول الإعلام السعودي للأمر، حيث دفع النظام السعودي بإعلامه (قنوات ومواقع ونشطاء) وبشكل مكثّــف، للتأكيد بشكل صريح على نوايا المضي نحو الانقلاب على الاتّفاق والعودة إلى التصعيد العسكريّ.
وفي هذا السياق، على سبيل المثال، أكّـــد الناشط الصحفي التابع لحكومة المرتزِقة، عزت مصطفى، لقناة العربية، أمس، أن هناك “تحضيراً” لما أسماه “عملية تحرير الحديدة”، مُشيراً إلى أن حكومة الفارّ هادي تعملُ على أن “توصل المجتمع الدولي إلى قناعة بأن اتّفاق ستوكهولم قد انهار”.
وليست هذه المرة الأولى التي تدفع فيها السعودية بحكومة الفارّ هادي وأتباعها للإدلاء بمثل هذه الاعترافات الصريحة، ففي أواخر يونيو الفائت، صرّح وزيرُ الإعلام بحكومة المرتزِقة، معمر الإرياني، بـ “ضرورة الإقرار بفشل اتّفاق السويد”، كما هاجم، أمس الأول، بوضوح “موقفَ المبعوث الأممي بخصوص الاتّفاق”، داعياً إلى “تدخل دولي”.
مؤشراتٌ وتصريحات انسجمت بشكل كامل مع مختلف التحَــرّكات السعودية الواضحة خلال الفترة الأخيرة لاستهداف اتّفاق الحديدة، حيث كرّرت الرياض مؤخّراً محاولاتها لاستجداء دعم دولي يمكّنها من الانقلاب على الاتّفاق، وزعمت أنه كانت هناك “محاولةٌ” من قبل الجيش واللجان لاستهداف سفينة في البحر الأحمر، وهو الأمر الذي نفته القوات المسلحة.
وقد دفعت السعوديةُ أَيْضاً بحكومة المرتزِقة لتبني هذا المسار، إذ زعمت الأخيرة، أمس، أن “كارثةً بيئيةً ستحدث في البحر الأحمر نتيجة تسرب أحد الخزانات في ميناء رأس عيسى” وكشفت عن هدفها الحقيقي من هذه المزاعم، إذ دعت “المجتمع الدولي” للتدخل لإيقاف هذه الكارثة المزعومة.
حرص السعودية على استثارة المواقف الدولية حول “البحر الأحمر” في هذه الفترة يفسر ويكشف بوضوح بقية المواقف والمساعي الأُخْــرَى المتصاعدة للانقلاب على اتّفاق السويد، فالرياض تريد أن يكون هناك غطاءٌ عالمي يبرّر إفشال الاتّفاق، لا سيما وأن موافقتها على الاتّفاق أصلاً جاءت للهروب من الضغوط الدولية وقتها.
تحذيراتُ قائد الثورة تفرضُ حضورَها
على الجهة المقابلة للتحَــرّكات السعودية، لا زالت تحذيرات قائد الثورة والقيادة العسكريّة للجيش واللجان تتصدر واجهةَ المشهد، متوعدة بـ “رد غير مسبوق” على العدوان في حال عودة التصعيد ضد الحديدة. وهي تحذيرات تفرض حضورها بقوة عند الحديث عن مآلات اتّفاق السويد، خَاصَّــةً في ظل التصعيد النوعي المتواصل ضد المطارات والمنشآت السعودية، والذي كشف عن تطورات عسكريّة مفاجئة وكبيرة، تضاعف واقعية التحذيرات المتعلقة باتّفاق السويد بما يجعل مساعي النظام السعودي للانقلاب على الاتّفاق تبدو مخاطرة متهورة محكوماً عليها بالفشل.
وكان قائدُ الثورة قد توعّد صراحةً، خلال مقابلته مع قناة المسيرة بأن إفشالَ اتّفاق الحديدة وعودة التصعيد ضدها سيترتبُ عليه ضربُ “أهداف مهمة واستراتيجية تستطيع الصواريخ أن تصلَها في الرياض وما بعد الرياض، وفي أبو ظبي، ودبي”، مُضيفاً أن الأعداء “يعرفون جيداً ماذا نعني بالأهداف الحيوية والحسّاسة والمهمة والمؤثرة”، كما لوّح بوسائل ردع “حسّاسة وفعالة” على مستوى القوة البحرية.
الفريق الوطني يؤكّـــد استئنافَ اجتماعات “إعادة الانتشار”
أما على صعيد مجريات الاتّفاق نفسه، فبعد 180 يوماً من “التغيب والتلكؤ” من قبل ممثلي طرف المرتزِقة، تم، أمس الأحد، استئنافُ اجتماعات لجنة إعادة الانتشار في الحديدة على متن سفينة أممية في المياه الدولية، بحسب ما أكّـــد عضو لجنة التنسيق بالفريق الوطني، محمد القادري، للمسيرة.
وكان إعلامُ العدوان قد حاول إثارة تضليلات ومزاعمَ حول رفض اللجنة الوطنية حضور الاجتماع، محاولاً أن يسوّقَ ذلك ضمن حملته لتبرير المساعي السعودية للانقلاب على الاتّفاق، لكن سَرعانَ ما تم دحض تلك التضليلات.
ويأتي هذا الاجتماعُ بعد أن نفّـذ الطرفُ الوطني خطواتِ “إعادة الانتشار” الأُحادية من موانئ الحديدة الثلاثة بإشراف أممي، في تأكيد على استمرار مضي “صنعاء” في تطبيق الاتّفاق، فيما لا تزال الأمم المتحدة عاجزة عن إلزام الطرف الآخر بالتنفيذ.
ومن المقرّر أن تستمرَّ الاجتماعاتُ على متن السفينة الأممية لمدة 48 ساعة بدءاً من يوم أمس، وفق الجدول الأممي، ويفترض بها أن تناقشَ بقية خطوات عملية “إعادة الانتشار” وهو ما سيفضح نوايا العدوان ومرتزِقته في حال استمرار تعنتهم.
وقد أكّــد وكيلُ محافظة الحديدة عَبدالجبار أحمد، أن “السلطةَ المحلية قدمت كافة التسهيلات للفريق الأممي” وحمل “وفد الرياض” كاملَ المسؤولية عن أية عراقيل.