المشهد اليمني الأول/
اعتقد ترامب ومن خلفه الصهيونية العالمية أن الوقت أصبح متاحاً لوضع أولى خطوات تصفية القضية الفلسطينية، وذلك بعد سنوات الفوضى والاقتتال التي شهدتها المنطقة، ودخلت معها بعض الدول العربية في مستنقع تبحث عن مخرج لا مؤشر على تجاوزه، وأن الجماهير العربية تبحث عن لقمة العيش والأمن، ولن تكون فلسطين ذات أولوية.
بدأت ورشة المنامة كحلقة أولى من حلقات استهداف القضية الفلسطينية واستخدمت عناوين اقتصادية لقياس مدى تقبل الشارع لفكرة البيع أولاً، وتحويل الهدف من قضية دينية ومصيرية إلى قضية مالية، ومع كل هذا الخبث إلا أن إخراج المسرحية جرى بشكل هزيل ساعد في إفشالها، إلى جانب الوعي الشعبي العربي وتنامي قوة محور المقاومة إلى المستوى القادر على إفشال صفقة القرن.
القائمون على ورشة المنامة المشؤومة حرصوا على حضور إسرائيليين من نوعية رجال أعمال كدلالة على الاقتصاد وعلى فاعلية اليهود في كل المشاريع الموسومة بالاقتصاد والمتعلقة بالأموال، وقد تم الحديث عن مبلغ 30_50 مليار دولار لتنفيذ الصفقة وتشجيع الاقتصاد في بعض المناطق المحتلة ومنطقة غزة على وجه الخصوص.
الملفت أن فلسطين التي لا يمكن أن تُباع بأي ثمن، رصد الأمريكان مبلغاً هزيلاً مقابل شرائها، واشترطوا لغرض توفيرها شروطاً لا تقل إجحافاً عن القضية نفسها، منها أن تكون أموالاً عربية خليجية، وتعم الفائدة لمصلحة كيانهم المسخ في الأراضي المقدسة.
لو عدنا للوراء قليلاً وتذكرنا كم من الأموال تم تقديمها لجمهورية مصر العربية خلال انقلاب عبد الفتاح السيسي، لوجدنا أن أكثر من 20 مليار دولار رصدت لمصر أثناء تدخل الجيش المصري وإبعاد محمد مرسي، وذلك خلال أسبوع واحد، فيما ثمن فلسطين 30 مليار يتم تقديمها خلال 10 سنوات، وتتكفل دول البترودولار بدفع الجزء الأكبر منها.
في ورشة المنامة المخزية، والتي مثلت عاراً يضاف إلى سجل النظام في البحرين، لم يتم الحديث عن الجانب السياسي بشكل صريح، إلا أن الصفقة هي سياسية في جوهرها ومجملها، فهي حسب ما كشفته وسائل الإعلام تتضمن العديد من النقاط، منها على سبيل المثال:
أن ينقل السكان العرب من القدس إلى فلسطين الجديدة، ومصطلح فلسطين الجديدة محصور على قطاع غزة، كما تحدث الرئيس الفلسطيني معلقاً على ورشة المنامة، إذ اعتبر الصفقة محاولة لخلق إمارة مستقلة اسمها غزة، وفصلها عن الضفة الغربية، بالإضافة إلى بند ينص على تفكيك حركة حماس وأسلحتها، وتسليم تلك الأسلحة للجانب المصري، بما فيها الأسلحة الشخصية، مقابل أن تتكفل دول الخليج بتسليم رواتب شهرية لقيادتها، وهذا الشرط غير المنطقي يدل على مغزى وأهداف الصفقة المشبوهة.
كما أنه ومن البنود التي كشفها الإعلام وتضمنتها صفقة ترامب وكوشنر، منع الشعب الفلسطيني ودولته من انشاء جيش خاص بفلسطين، وتتعهد إسرائيل بالدفاع عن الفلسطينيين من أي عدوان خارجي، على أن يكون ذلك بمقابل مالي تدفعه دول الخليج لإسرائيل، وكأن إسرائيل ليست العدو الأول للفلسطينيين في حالة تجسد إلى أي مدى بلغت المهزلة الأمريكية واحتقارها للعرب والمسلمين.
ومن البنود أيضا أنه بعد عام من الاتفاق يطلق سراح الأسرى على دفعات، وعلى مدى 3 سنوات، أي بعد 4 أعوام من الاتفاق، وكأن واشنطن تريد أن تقول لإسرائيل بعد أن يتم أسر أضعاف المتواجدين في السجون الإسرائيلية يتم تنفيذ إطلاق الأسرى المتفق حولهم.
كما أن هناك بنداً آخر ينص على أن تبقى المستوطنات كما هي، بالإضافة إلى أن يكون غور الأردن من نصيب إسرائيل. هذه هي الأهداف المعلنة، وما خفي كان أعظم.
لكن تنامي الدور العروبي والمسؤول لمحور المقاومة يمثل الحائط الفولاذي الصلب الذي من شأنه أن يمنع نفاذ أية صفقة مشبوهة تستهدف الأمة العربية والإسلامية، خصوصاً بما يتعلق بفلسطين تاج عروبتنا وأرض مقدساتنا وبوصلة نضالنا حتى التحرير.
ـــــــــــــــــــــــــ
أحمد الشريفي