المشهد اليمني الأول/
هذا الدّلال والتودّد الذي يبذله الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب لرئيس كوريا الشماليّة كيم جونغ أون، والسّعي للقائه في المِنطقة المنزوعة السّلاح بين الكوريتين، يُؤكّد النظريّة التي تقول إنّ الرئيس الأمريكيّ لا يحترم إلا من يُهينه ويتَطاول عليه، ويتعامل معه باحتقار ومن موقع النّد للنّد، ولا يخشى عُقوباته الاقتصاديّة أو تهديداته العسكريّة.
اللّقاء الذي تم يوم الأحد في المِنطقة المُحايدة، جاء بطلبٍ من الرئيس ترامب عبر تغريدةٍ له على التويتر، وبعد لقائين فاشِلين، الأوّل في سنغافورة، والثّاني في هانوي، وبعد سلسلةٍ من الاتّهامات المُتبادلة، بل وشتائم من النّوع الثّقيل.
ترامب سيدخُل التّاريخ كأوّل زعيم أمريكي وطأت قدماه أراضي كوريا الشماليّة، وليس بنزع أسلحتها النوويّة وصواريخها الباليستيّة، فقد بدا واضِحًا أنّ الزعيم الكوري الشمالي عرَف كيف يستغل ضعف الرئيس الأمريكي ويخدعه، ويعقد اجتماعين معه، ودون أن يُقدّم أيّ تنازلات، حتى لو كانت بسيطةً جدًّا تُجاه المطالب الأمريكيّة بنزع أسلحته النوويّة، وكُل صواريخه الباليستيّة.
الرئيس الكوري الشمالي يعرِف نُقطة ضعف الرئيس ترامب، وضحالة معلوماته عن تطوّرات العلاقات الدوليّة، وفي مِنطقة شرق آسيا على وجه الخُصوص، لذلك يُسايره باستخدام لغة المُجاملة، والكلام المَعسول، ودون التخلّي عن طُموحاته الاستراتيجيّة في امتِلاك أسلحةِ الرّدع النووي.
هذا اللّقاء على الأراضي الكوريّة جاء بعد تراجع ترامب عن تهديداته بالمُضي قُدمًا في الحرب التجاريّة ضِد الصين، الحليف الأكبر للرئيس الكوري الشمالي، ولقائه مع الزعيم الصيني شي جين بينغ على هامِش قمّة الدول العشرين التي اختتمت أعمالها في أوساكا اليابانيّة يوم أمس، وهو الاجتماع الذي توصّل إلى “هُدنةٍ” بين البلدين وتجميد العُقوبات الأمريكيّة بسبب صلابة الموقف الصيني، والتّهديد بإنهاء هيمنة الولايات المتحدة ودولارها على النّظام الماليّ الدوليّ.
كيم جونغ أون يُقدّم درسًا للزّعماء العرب، وخاصّةً في المملكة العربية السعودية، ودول خليجيّة أخرى، في كيفيّة التّعاطي مع الرئيس ترامب الذي لم يتوقّف مُطلقًا عن فجاجته وسُخريته منها وقادتها، ومطالبه الابتزازيّة في الاستِيلاء على مِئات المِليارات من الدّولارات من خزائنها نظير حمايته لها.
نُدرك جيّدًا أنّ المُقارنة ليست في مكانها، فالرئيس الكوري الشمالي يملك أسلحة نوويّة وصواريخ باليستيّة عابرة للقارات رغم الحِصار، وهذا صحيح، ولكن لماذا لم تُطوّر هذه الدول الخليجيّة نفسها وتمتلك أدوات الرّدع، وهي التي دخل خزائنها تِريليونات، وليس مِليارات الدولارات من عوائد النّفط، والأخطر من ذلك أنّها تآمرت على العِراق الذي كان على وشك إنتاج قنبلة العرب النوويّة الأولى، ودمّرت سورية بتدخّلاتها العسكريّة ودعم المُسلّحين فيها.
الزعيم الكوري الشمالي يقِف مِثل الصّخرة على أرضِ بلاده، ويأتي إليه الرئيس ترامب مُتودّدًا وحامِلًا دعوةً له لزيارة أمريكا عبر بوّابة البيت الأبيض، هذا إذا بقِي ترامب فيه.. ألم نقل لكم أنّه، أي الرئيس ترامب، يحتقر الضّعفاء الذين يتودّدون إليه، ويذعن أمام الأقوياء الذين يحتقرونه ويرفضون الخُضوع لإملاءاته، ولا يعبأون بتهديداته لأنّهم يعلمون جيّدًا أنّها مُجرّد قنابل دخانيّة؟