المشهد اليمني الأول/ رأي اليوم
يرتكِب الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وزير خارجيّة مملكة البحرين، خطيئةً كُبرى عندما يتحوّل بشكلٍ مُتسارعٍ إلى المُتحدّث الرسميّ الخليجيّ باسم التّطبيع، ورأس حربته، ويخرُج عن كُل ثوابت الأمّتين العربيّة والإسلاميّة في هذا الوقت الحرِج والحسّاس الذي تقِف فيه المِنطقة على حافّة حربٍ مُدمّرةٍ ربّما تكون مملكته من أبرز ضحاياها.
في أحاديثه المُتعدّدة للصّحافة ومحطّات التّلفزة الإسرائيليّة بالَغ وزير خارجيّة البحرين في التقرّب إلى الإسرائيليين، والتّعاطي معهم كحملٍ وديعٍ، وخرق كُل الخُطوط الحمراء عندما أكّد على حق إسرائيل في الوجود، وقال إنّها وُجدِت لتبقى، وأنّ مملكته تُريد إقامة علاقات أفضل معها، ولم يُوجّه أيّ كلمة نقد واحدة للاحتلال الإسرائيلي ومجازره التي ارتكبها في حق الفِلسطينيين، وتهويده للمُقدّسات العربيّة والإسلاميّة، ومُمارساتها لأبشَع أنواع التّمييز العُنصريّ ضد أهل الأرض وأصحابها الحقيقيين.
ربّما يُفيد تذكير الشيخ خالد بأنّ أمريكا التي يُراهن عليها، ويُراهن على حِمايتها لمملكته وأسرته الحاكِمة، يتراجع نُفوذها في المِنطقة، وباتت الأكثر كراهيّةً في العالم بأسره، ويكفِي الإشارة إلى جاريد كوشنر، الذي فرشت مملكته البحرين له السجّاد الأحمر لم ينجح إلا في جلب ثلاثة وزراء ماليّة عرب إلى مُؤتمره هذا كانوا يُخفون وجوههم خجلًا لشُعورهم بالعار والخِيانة، مثلما هرَبوا من الصّومال والعِراق، ويستعدّون للهَرب من أفغانستان، سيفعلون الشّيء نفسه من مِنطقة الخليج.
عندما دعت أمريكا لعقد مُؤتمر مدريد للسّلام عام 1991 كانت هُناك وفود من مُعظم الدول العربيّة، ومُمثّلين عن القِوى العُظمى مِثل الصين وروسيا، وآخَرين من دول القارّات الخمس، والسّبب أنّ الحل المطروح مُناقشته كان يرتكز إلى قراراتِ الشرعيّة الدوليّة وإقامة الدولة الفِلسطينيّة المُستقلّة التي تجاهلها كُلِّيًّا مُؤتمر البحرين، ولم يجرؤ أيّ من المُشاركين العرب على التّلفّظ بها في كلماتهم خوفًا وربّما من السيّد الأمريكيّ، بِما في ذلك الشيخ خالد آل خليفة، الذي بات يستحقّ لقب المحامي المُدافع عن الوجود الإسرائيلي.
ورشة البحرين ليست كامب ديفيد ولن تكون، لأنّ صيغة هذا المُؤتمر الذي فَرّق الأمّة وأخرج مِصر من الصّراع عام 1978 لن يتكرّر، ويكفي التّذكير بأنّ الجولة الثانية منه التي انعقدت عام 2000 بدعوةٍ من الرئيس بيل كلينتون فشلت في انتِزاع تنازل فلسطينيّ واحد، وجاء الرّد عليه بإشعال فتيل الانتفاضة الفِلسطينيّة الثّانية المُسلّحة في الأراضي المُحتلّة.
لا نعرِف ما إذا كان الشيخ خالد بن أحمد يَذكُر هذه الوقائع التاريخيّة جيّدًا ويضعها في اعتباره وهو يحتفي بالمَسؤولين والإعلاميين الإسرائيليين بطريقةٍ جرحت مشاعرنا والمَلايين غيرنا في العالمين العربيّ والإسلاميّ، ولكن لا نجِد بُدًّا من تذكيره بِها في هذه العُجالة.
نتمنّى على وزير خارجيّة البحرين وكُل من يعتقد من زملائه في منطقة الخليج أنّ الأمّة العربيّة انهارت وتخلّت عن حُقوقها الثّابتة في فِلسطين المُحتلّة أن يتريّثوا قليلًا وأن يُراجعوا حِساباتهم بسُرعةٍ، وقبل فوات الأوان، مُستندين في تحذيرنا هذا إلى هذه الصّحوة الشعبيّة العربيّة، والالتِفاف المُشرّف حول القضيّة الفِلسطينيّة ومِحور المُقاومة.
مواقف الغالبيّة السّاحقة من أبناء الشعب البحريني هي الرّد الأبلغ على مواقف حُكومته التّطبيعيّة، واستِخدامها ككبشِ فداء من قبَل آخرين استغلالًا لوضعها الاقتصاديّ وأزماتها الداخليّة المُتفاقمة، فعندما تتحوّل البحرين إلى غابة تتعانق فيها الأعلام البحرينيّة مع شقيقتها الفِلسطينيّة فهذا هو الرّد الحقيقيّ القويّ والبليغ على استضافة مُؤتمر بيع فِلسطين هذا، وعلى الشيخ خالد بن أحمد، وكل المُطبّعين العرب، وورشة المنامة بالطّبع.
صفقة القرن لن تمُر، ومشاريع الإذلال الأمريكيّة التي تصُب في مصلحة جرائم الاحتلال العنصريّ الإسرائيليّ وكُل من يُشارك في تسويقها مصيرها الفشَل والدّليل الأبرز هو عودة كوشنر عرّاب صفقة القرن مُكتئبًا وخالي الوفاض إلى واشنطن تمامًا مِثل مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكيّ، عرّاب مُؤتمر وارسو.
كلمة أخيرة للشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وكُل نُظرائه في الخليج، الذين يسيرون على نهجه، مُلخّصها أن إسرائيل لن تحميكم لأنّها هي التي باتت تحتاج إلى الحِماية في وقتٍ تتغيّر فيه المُعادلات السياسيّة والعسكريّة بشكلٍ مُتسارعٍ، وأنّ زمن الإملاءات الإسرائيليّة والأمريكيّة قد ولّى إلى غير رجعةٍ، والأيّام القادمة حافِلةٌ بالمُفاجآت التي ستُؤكّد ما نقول.