المشهد اليمني الأول/

كشف تحقيق استقصائي لصحيفة “الغارديان” البريطانية عن طبيعة الدور الذي تؤديه لندن في الحرب التي تشنها السعودية على اليمن.. مشيرةً إلى أن بريطانيا لا تدعم الرياض بالسلاح فقط، وإنما هناك نحو 6300 بريطاني يعملون في القواعد السعودية من أجل صيانة الطائرات الحربية التي أُنهكت بالحرب، مؤكدة أن ذلك يسهم في استمرار الحرب الوحشية ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف، وجرح مئات الآلاف، وتشريد الملايين، وخلق أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، معتبرة ذلك انتهاكاً للقانون تقوم به حكومة بريطانيا.

فبريطانيا لا توفر أسلحة لهذه الحرب فحسب؛ بل إنها تزوّد بالأفراد والخبرات، وتنقل “الغارديان” عن جون ديفيريل، وهو ملحق سابق في وزارة الدفاع البريطانية، وملحق دفاعي موفد للسعودية واليمن، قوله إن السعوديين لم يكونوا ليتمكنوا من شن هذه الحرب دون بريطانيا، وهو ما أكده مسؤول في الشركة البريطانية للقناة الرابعة البريطانية؛ حين قال: “من دوننا لن تتمكن طائرة نفاثة من الطيران في السماء خلال 7 إلى 14 يوماً”.

وتضيف الصحيفة أن الشركة البريطانية حصلت على عقد حكومي لتوريد السلاح للسعودية وأنه بمجرد وصول هذه الأسلحة، لا يعني نهاية المهمة البريطانية؛ حيث يفتقر الجيش السعودي للخبرة، لذا فإن الشركة -بموجب عقد آخر مع حكومة المملكة المتحدة- توفر ما يعرف باسم الخدمات “داخل البلد”. وهذا يعني أن نحو 6300 مقاول بريطاني يتمركزون في قواعد العمليات الأمامية في السعودية، وهناك يدربون الطيارين السعوديين ويُجرون الصيانة الأساسية ليلاً ونهاراً، كما أنهم يشرفون على الجنود السعوديين لتحميل القنابل على الطائرات، وتعيين الصمامات الخاصة بهم للأهداف المقصودة.

وتكشف “الغارديان” أن نحو 80 من أفراد سلاح الجو الملكي البريطاني يعملون هناك، وفي بعض الأحيان يساعدون لصالح “بي أي إي” في صيانة وإعداد الطائرات، كما يدققون للتأكد من أن الشركة تفي بعقود وزارة الدفاع. ليس هذا فحسب؛ إذ تقول الصحيفة إن هناك ضباط اتصال إضافيين تابعين لسلاح الجو الملكي داخل مقر القيادة والسيطرة يعملون على اختيار الأهداف في اليمن.

وقد نشرت السعودية قوات برية كبيرة عبر الحدود، وهنا أيضاً كان ثمة وجود بريطاني، بحسب “الغارديان”. ففي مايو 2018، أُرسل عدد غير معروف من القوات البريطانية إلى اليمن لمساعدة القوات البرية السعودية، ومنذ ذلك الحين نشرت صحف متعددة تقارير عن إصابة القوات البريطانية الخاصة في معارك داخل الأراضي اليمنية. وبموجب القانون البريطاني فإنه من غير القانوني ترخيص تصدير الأسلحة إذا كان يمكن استخدامها عمداً أو بتهور ضد المدنيين، وهناك أدلة دامغة على أن السعوديين ينتهكون بشكل صارخ هذه القوانين والقواعد.

وتنتقد الصحيفة إجابات الوزراء المحافظين عندما تُطرح أسئلة في البرلمان حول دور بريطانيا بالفظائع المرتكبة في اليمن، مبررين أن بريطانيا تدير “واحدة من أقوى أنظمة تصدير الأسلحة في العالم”، وأنها لا تختار الأهداف في اليمن، وأن تحالف العدوان يحقق بالفعل في انتهاكاته للقانون الإنساني الدولي.

هذه الإجابات من وجهة نظر الصحيفة تجاوزها الزمن، خاصة أن الوقائع على الأرض تكذب هذه الادعاءات، مشيرة إلى أن المتعاقدين البريطانيين يؤدّون دوراً رئيسياً في الحرب، وينفذون نحو 95% من المهام الضرورية لخوض الحرب الجوية، بحسب ما ذكره موظف سابق بالشركة البريطانية، وهو ما أكده أيضاً مسؤول بريطاني سابق عمل في السعودية خلال الحرب على اليمن.

وتتابع الغارديان بأن داخل قواعد العمليات الأمامية السعودية هناك الآلاف من المقاولين البريطانيين الذين يعملون للحفاظ على حركة آلة الحرب؛ فهم ينسقون توزيع القنابل، وقطع غيار الطائرات، وهم يديرون الأسلحة، ويعملون في نوبات لضمان إرسال القنابل بالوقت المناسب لشن غارات جديدة. كما يديرون أنظمة إلكترونيات الطيران والرادار لضمان وصول الطائرات السعودية من وإلى أهدافها، وإجراء الصيانة العميقة للطائرات اللازمة لإبقائها تحلق حول اليمن.

وتحرص الحكومة البريطانية على التأكيد من أنه ليس لها دور في الاستهداف، وتصر على أن السعودية هي الوحيدة التي تختار ما ستضربه في اليمن، ولكن لا يوجد خلاف حول حقيقة أن المقاولين البريطانيين يمكّنون المملكة من الوصول إلى أهدافها، وأن بريطانيا تدرك جيداً ما هذه الأهداف.