المشهد المني الأول/
ثمة اعتقاد قوي لدى عواصم دولية وفي المقدمة موسكو وبكين بوقف الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها الحالية خلف استهداف ناقلتي النفط في بحر عمان ورفع منسوب القلق العالمي إلى مستوى غير مسبوق أو طرف تعلمه واشنطن وتحرك لتنفيذ الهجوم على الناقلات بطلب منها، وهو الهجوم الذي وصفه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالمريب، ودفع لاريجاني للتذكير بذريعة امريكا لمهاجمة اليابان في الماضي.
واستنادا لما تمتلكه الدولتان من وسائل تكنولوجيه وأقمار اصطناعية وأجهزة استخبارات دعتا إلى عدم استغلال الحادثة والمسارعة بتحميل إيران المسئولية، فيما اكدت الصين في رسالة واضحة تفهمها واشنطن توطيد العلاقات مع إيران والمضي بتعاملاتهما التجارية رغم عقوبات واشنطن المفروضة على إيران.
ثمة سببان على الأرجح يدعمان فرضية وقوف واشنطن أو طرف تعمله الإدارة الأمريكية الحالية بالهجوم على ناقلتي النفط في بحر عمان.
السبب الأول داخلي ويتعلق باقتراب موعد الانتخابات الأمريكية والصراع الدائر، ترامب بشخصيته المتعجرفة التي اعتادت إهانة الآخرين كما يفعل مع الملك السعودي وحلفاء واشنطن الآخرين، لم يبلع الإهانة التي وجهها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي لترامب بأنه شخص لا يستحق أن يتبادل معه الرسائل، ولم يكلف نفسه عناء الاستماع أو قراءة رسالة ترامب التي أعادها الوسيط الياباني مطوية كما جاء بها، وكان ترامب يؤمل في قبول إيران ورقة ضغط بها على منافسيه لضمان حظوظ أكبر في تجديد ولايته الرئاسية.
موقف المرشد، أصابت ترامب وإدارته بالجنون، وأعطت مادة دسمة لمنافسه القوي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وستقلل حتما من المؤيدين له على مستوى النخب السياسية والاقتصادية.
والشق الثاني، إن عدم إجابة المرشد لترامب سيؤثر حتما على قدرته بجني الأموال من الحلفاء الراضخين لواشنطن وخصوصا في منطقة الخليج الفارسي، وبالتالي فإن شعبيته العامة في الداخل الأمريكي ستقل حينها وفرص نجاحه في الانتخابات الأمريكية ستكون أقل بكثير.
والسبب الآخر يتعلق بتطورات الحرب على اليمن وصراخ دافعي فاتورة الحماية للإدارة الأمريكية السعودية والإمارات ودول أخرى في المنطقة، عقب الاستهداف اليمني لمطار ابها بصاروخ كروز، وسقوط منظومة الحماية الأمريكية تكنولوجيا أو قوات تتواجد على الأرض لحمايتهم.
الإعلام السعودي عكس حالة التبرم تجاه الحامي الأمريكي وضعفه بتناول الرواية اليمنية عن كون الاستهداف تم بصاروخ كروز وإرجاع الفشل في صد الهجمات اليمنية إلى ضعف وعجز منظومات الدفاع الباتريوت وثاد وهما أمريكيتا الصنع، ولا يمكن لقنوات الإعلام السعودي القيام بذلك ما لم يكن بذلك تصريح من المستوى الأعلى، الجميع يدرك ذلك.
التحدي اليمني غير المسبوق منذ عملية التاسع من رمضان واستهداف أنابيب النفط وصولا إلى كروز مطار أبها وضرب مطارات وتعطيل مطارات نجران وجيزان وأبها، ومضي الطرف اليمني في إظهار قدراته وفضح عجز الحامي الأمريكي وأدواته العسكرية التي دفعت في مقابلها مئات مليارات الدولارات وتغنت بها وسائل الإعلام، جعلت جدران القصور في أبوظبي والرياض غير قادرة كتم تبرم ساكنيها الخائفين، والحانقين على ملياراتهم التي تبخرت سدى.
ونعتقد بأن ضربة مطار أبها وتأثيراتها النفسية والإعلامية على الرياض وأبو ظبي وحلفاء واشنطن في المنطقة، هي ما دفع الأمريكيين أو طرف وسيط كإسرائيل التي اعترفت بأن قواتها تعمل في منطقة البحر الأحمر مؤخرا تحت إشراف الأمريكي لتنفيذ عملية استهداف الناقلتين النفطيتين بوقت متعجل ولم يغادر الوسيط الياباني طهران بعد، وذلك يعزز موقف طهران الدفاعي بأنها غير متورطة في الحادثة بعد أن ظهر لاحقا بأن الناقلتين إحداهما يابانية وترفع علم بنما والأخرى تحمل شحنة نفط إلى اليابان.
كما أن بحر عمان مليء بالقطع العسكرية الامريكية وعلى راسها حاملة الطائرات ابراهام لنكولن والتي ترابط على حدود بحر عمان ترافقها سبعين قطعة بحرية بين مدمرات وغواصات، ولن تكون طهران من الغباء بالإقدام على عملية كهذه وسط هذا التواجد الأمريكي الكثيف والمستنفر أصلا منذ حادثة ناقلات ميناء الفجيرة.
منذ حرب فيتنام وحتى غزو كوبا واحتلال العراق، واشنطن درجت على اختلاق الذرائع لشن الحروب على الدول لكنها تذهب هذه المرة في اتجاه التحشيد السياسي في مجلس الأمن لتدويل مضيق هرمز أو العمل تحت راية وسيطة لتأمين المضيق واشنطن تهاب الحرب هذه المرة ولن تنزلق إكراما لعيون آل نهيان أو آل سعود وإن باضوا ذهبا فسيستلبهم إياها وتمضي.
ثمة أنباء تتحدث عن بوح حكام الإمارات بالندم في مسارعتهم فضح دورهم في صفقة القرن لبيع فلسطين لـ”إسرائيل”، والاندفاع وراء وعود ترامب وإدارته، وأن الرياض نفسها كما أبو ظبي لم يعودا بذلك الحماس لإنجاز الصفقة في ظل المتغيرات الحالية.
تتشابه حادثة بحر عمان مع ذرائع سابقة وحوادث مفتعله اتخذتها الولايات المتحدة لغزو الدول الأخرى وفق مااعاد التذكير به رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني ، فهل ماتزال الولايات المتحدة على قوتها ، يقول مراقبون بان الوضع اختلف، فالحرب في اليمن كشفت هشاشة الآلة العسكرية الأمريكية وعقم العقل الأمريكي في إدارة الحروب، وأمريكا البائن ضعفها تقف مرهقة بعد خمس سنوات من حرب اليمن في مواجهة خصم قوي كإيران، كما أن لديه حلفاء لن يتركوه وحيدا أكد السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، وتأكيد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي على واحدية ميدان المواجهة بامتداد جغرافيا الشرق الأوسط وتكاملية العمل لهزيمة العدو المشترك باقل التكاليف والوقت.
ويؤكد هؤلاء أن أمريكا لن ترسل جيشها للحرب في الخليج [الفارسي] نيابة عن السعودية والإمارات وحتى تل أبيب ذلك أمر مفروغ منه فالخصم هذه المرة محور مقاوم عنيد وقوي، وترامب يهتم فقط لفوزه في الانتخابات.
والهجوم على الناقلات لا يعدو خلق ذريعة لفرد العضلات بوجه إيران وحشد التأييد الدولي وكذا صرف الأنظار عقب الإهانة التي وجهتها طهران لترامب، والإهانة اليمنية لفخر السلاح الأمريكي والعقل العسكري الأمريكي برمته، وكذا لتخدير حلفائها المرعوبين واستمرار حلبهم وستواصل نسج الخدع حتى يحين وقت الفرار من المنطقة.