المشهد اليمني الأول/
دعونا نضع الثوابت قبل المتغيرات والاحتمالات، بأن حركة الحوثيين مدعومة فنيا وماليا من ايران، لكن المقاتل على الارض، مصنع ومطور السلاح، والمخطط، والمهاجم وصاحب القرار العسكري يمني.
هذا هو الثابت الذي تعرفه السعودية وكامل المحور الأمريكي، لهذا كان الرهان، ان هذا المقاتل وهذه الحركة حتى وان كانت مدعومة من ايران، فهي لن تصمد، ولن تنتصر السعودية فقط، بل سوف تكتسح اليمن بسهولة.
انه نوع من انواع الاستهانة التاريخية باليمن، وبالمقاتل اليمني، وليس فقط بحركة الحوثيين… ولكننا هنا سنتحدث فقط عن (حركة الحوثي) الأنصار ، وماهي خياراتها العسكرية بعد السيطرة على السلطة عسكريا، وبعد ان وجدت نفسها وجها لوجه مع أقوى الجيوش في المنطقة في أقذر الحروب.
حرب استخدمت المواطن البريء وقودا لها، لتزيد من اذلال اليمن ،ومن الضغط الشعبي على الحوثيين بوصفهم سبب رئيس للمأساة بسبب “الانقلاب على السلطة” او الدولة.
الخيارات او الاحتمالات هي، اما المقاومة او الاستسلام، اما استسلام غير مشروط، ينهي فيه حركة الحوثي تماما، ويكون اليمن بلا حوثيين، او استسلام مشروط بالموافقة على اعادة السطوة السعودية، مقابل حصة من السلطة تضمن استمرار الحوثيين.
العلم السعودي مرفوع في صنعاء، وصورة قادة التحالف السعودي تتصدر باب اليمن تحت عبارة شكرا سلمان ، تماما كما هو الحال في عدن وبقية المحافظات، وليس هذا هو المشهد المؤلم، اطلاقا… المشهد الاكثر الما، تماما كما هو في عدن وبقية المحافظات ..هو بقاء المجاعة والبطالة، والأمراض، الى جانب الانفلات الأمني، وبذور الصراع اليمني، إلى جانب تثبيط الروح اليمنية، وهزيمة الشخصية اليمنية من الداخل، وتشويه تاريخها ومستقبلها.
الحوثيون الأن في هذه الصورة ليسوا مدعومين من ايران، بل هم أصدقاء السعودية، سيبقى المشرف الحوثي السيء والذي سيكون صديق السفير السعودي، كما هو، ولن تهاجمه السعودية واعلامها، وسوف يسمح له بالتحرك بحرية.
ولكن سيكون يدا لضرب جماعات يمنية أخرى ، ايضا صديقة للسعودية، لأن بقاء الصراع اليمني هو الطريقة لبقاء العلم السعودي في صنعاء وعدن، في هذا الاحتمال… انتهت سيطرة اليمن كاملة “شرعية وانقلاب” على كل ممراتها ومدنها ومنافذها الاستراتيجية، وجبالها وبحورها وممراتها المائية، الجزيرة العسكرية الاسرائيلية في باب المندب قرب الضفة الأفريقية سوف تأخذ مساحة مريحة اكثر، بعد انتهاء الخطر الإيراني ، لتطبق إسرائيل على البحر الاحمر من شماله وجنوبه.
ومع الحديث عن صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية ، وإعلان التطبيع، فإن عودة السفارات الأجنبية إلى صنعاء، يعني ايضا بدء تطبيع صنعاء، هذه المرة لن يجلس نتيناهو بجانب وزير الخارجية اليمني في بلد بعيد.
الحكومة اليمنية المشكلة سيكون همها هو إدارة الصراع الداخلي بين الاطراف، التي تتصارع على الفتات، بعد تشظي اليمن، وكل هذه الاطراف تتزاحم على رضا السفير السعودي ، تماما كما هو الحال الان بين اجنحة “الشرعية” المتصارعة، والتي اضطرت لإعلان تحالف بينها، لانهم جميعا ضد الحوثي لكنهم جميعا ضد بعضهم.
ستتغير المناهج طبعا ، سيتم تدريس ما تود السعودية وحلفاء أمريكا للأجيال القادمة معرفته ، وكما هو حاصل ، سيكون علم السعودية مع عبارات الشكر مطبوعا على الكتب الدراسية، سيمحى تاريخ اليمن ، لصالح خلق اجيال مشهوهه في عقيدتها، وسلوكها ،وروحها.
وليست المشكلة في علم دولة عربية شقيقة، المشكلة انها تاخذ حصتها من اليمن مقابل اهداء اليمن كنقطة خطرة في الصراع لاعداء اليمن ، والامة، لهذا فالامر لا يعني عبد الملك الحوثي وجماعته فقط، بل يعني خارطة ممتدة من الفرات إلى النيل.
بعبارة أدق سينتهي اليمن ويمحى من على الخريطة ، فليس له في هذا الاحتمال اي مستقبل ، ولا وجود ، كل هؤلاء الوحوش ، سيبقون، ومامن أحد منهم سيخوض غمار المغامرة ليضحي بنفسه من أجل اليمن، وحتى الحوثيون سيكونون مدللي السعودية وسيكون لهم حصة محترمة في حكم اليمن…ولكن اي يمن ؟!.
هذا ليس كلاما اعتباطيا، انها حرب فاصلة ، ووجودية، ملامحها ظاهرة ، التواجد الاسرائيلي الامريكي موجود، كما هو الدعم الإيراني ، ايران لن تدعم فصيلا يمنيا لانه يحب ال البيت، تبسيط الصراع لم يعد مجديا.
كما ان تعقيده ليس في مصلحته، في المحصلة، هناك يمنيون مؤمنين ان اليمن لن يكون ضمن المحور الأمريكي، وهم لا يجدون دعما عربيا، بل طعنا في الظهر، واجزم انهم مستعدين لمد يد التعاون مع السعودية حتى ضد إيران نفسها، شرط ان لا يكون المقابل تمكين الحلف الأمريكي واعلان إسرائيل بانها سيدة المنطقة.
لذلك كان خيارهم هو الخيار الآخر… المقاومة، ولهذا ترى شعارهم فوق عقد باب اليمن في قلب صنعاء، بالتأكيد ليس الحوثيون خيارا جيدا، لكنهم الخيار الوحيد امام افواج القبائل اليمنية التي رفضت المال السعودي وقررت ان تخوض الحرب باقل الإمكانيات ، وتدفع خيرة شبابها الذين يحملون الأسلحة الثقيلة بين الجبال وهم حفاة في مشاهد مذهلة، تحت راية الحوثيين، المقاتل اليمني هو الاقل تكلفة في العالم ، لكنه الأكثر قيمة.
هؤلاء الحفاة هم من أفسدوا الخطة السعودية، وعرضت أسلحتهم امام الملوك، وادهشوا الجميع خصومهم وحلفائهم، واولهم الإيرانيين .. انها ظاهرة تستحق الاقتراب والدراسة، كما هي ظاهرة تستحق الابتعاد والمراقبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
منى صفوان