المشهد اليمني الأول/
تلقّى الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب وصِهره جاريد كوشنر صفعةً قويّةً يوم أمس عندما صوّت الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) على حلّ نفسه والدّعوة إلى انتخابات تشريعيّة جديدة يوم 17 أيلول (سبتمبر) القادم، بعد فشل حليفهما بنيامين نِتنياهو في تشكيلِ حكومةٍ جديدةٍ وانتِهاء المُهلة القانونيّة المُخصّصة لهذا الغرض.
نقول إنّ الرّجلين تلقّيا هذه الصّفعة التي لم يتوقّعاها، لأنّ نِتنياهو خرج من هذه الخُطوة، أيّ الدعوة إلى انتخابات عامّة، أكثر ضعفًا، ممّا يعني انهيار العديد من خُططهما في مِنطقة الشرق الأوسط، مِثل “صفقة القرن”، والحرب المُحتملة ضِد إيران، لأنّ نِتنياهو يُشكّل العمود الفِقري في هذه الخُطط، وبَذلا كُل جُهد مُمكن لإنجاحه في الانتخابات الأخيرة من أجل هذا الغرض.
صحيح أنّ الإدارة الأمريكيّة أعلنت أنّ “ورشة المنامة” ستُعقد في موعِدها يوميّ 25 و26 من شهر حزيران (يونيو) المُقبل برئاسة كوشنر لإعلان الشّق الاقتصادي من صفقة القرن، ولن تتأثّر بحَل الكنيست الإسرائيلي، ولكن الصّحيح أيضًا أنّ واضع خُطوطها الرئيسيّة، أيّ نِتنياهو، لم يعُد في الموقف القويّ الذي يُؤهّله للدّفع بها إلى الأمام، وإقناع بعض حُلفائه العرب في الخليج برصد عشرات المِليارات لتمويل مشاريعها.
نُدرك جيّدًا أنّ فُرَص نجاح هذه الصّفقة كانت محدودةً جدًّا بسبب إجماع الفصائل الفِلسطينيّة على رفضها ولكن نِتنياهو القويّ الذي يعتقد بعض العرب أنّه الصّديق والحامِي لهم بات بلا أنياب أو مخالب، وفُرص بقائه أو نجاح ائتلافه اليمينيّ المُتشدّد باتا موضِع العديد من علامات الاستِفهام.
إفيغدور ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” العُنصري المُتطرّف كان بمثابة “بروتس” الذي وجّه الطّعنة القاتِلة المَسمومة لحليفه السّابق نِتنياهو عندما أصرّ على جميع مطالبه، وأبرزها استصدار قوانين بإعدام الأسرى الفِلسطينيين، وأخرى بفرض التّجنيد الالزامي على المُتديّنين اليهود المُتشدّدين، وإخلاء السكّان العرب من قرية الخان الأحمر، وغزو قِطاع غزّة لتجريد حركة “حماس” والفصائل الأُخرى من أسلِحتها.
ليبرمان تحوّل من صانِع المُلوك إلى قاتِل المُلوك بإطاحته بنِتنياهو، ورفض الدّخول في تشكيلته الوزاريّة كوزير دفاع، والتّنازل عن مُعظم شُروطه، ولا نستبعِد أن يواصل النائب العام الإسرائيلي جُهوده لإصدار قرارٍ باعتقال نِتنياهو وتقديمه إلى المُحاكمة بتُهم الفساد بعد فشله في تشكيل الحُكومة، واستصدار قرار عن البرلمان بتوفير الحَصانة القضائيّة له.
امبراطوريّة ترامب الإسرائيليّة تفقِد أهم أعمدتها بهذه الطّعنة القويّة التي كسرت غُرور نِتنياهو وغطرسته، وأدخلت الدولة العبريّة في حالةٍ من الفوضى السياسيّة في مِثل هذا التّوقيت الحَرِج.
لا نُجادل مُطلقًا في أنّ صُمود فصائل المُقاومة الفِلسطينيّة في قِطاع غزّة، وصواريخها الدّقيقة لعِبَت دورًا رئيسيًّا في حالة الارتباك التي يعيشها هذا الكيان العُنصريّ الغاصب، خاصّةً في المُواجهات الأخيرة التي وصلت فيها هذه الصّواريخ إلى ما بعد تل أبيب، وأحدثت للمرّة الأولى خسائر بشريّة عسكريّة باستهدافها مُدرّعات وناقِلات جُنود إسرائيليّة، وقُدرات تفجيريّة مُتناهية الدقّة.
صفقة القرن باتت مُثخّنة بالجِراح، أمّا حُلفاء نِتنياهو من العرب الذين راهنوا عليه، فيعيشون حالة اكتئاب، ويستعدون لفتح سرادِق العزاء بعد أن بدأت رهاناتهم التطبيعيّة تنهار بانهِياره، وربّما اعتقاله الذي بات أقرب من أيّ وقتٍ مضى بتُهم الفساد، وإنهاء حياته السياسيّة خلف القُضبان.