المشهد اليمني الأول/
للمرة الأولى تذهب الصين نحو السياسة الصرفة، فتستبقُ مشروعاً أميركياً في «ورشة البحرين» هدفه تأمين حلف عربي إسلامي إسرائيلي أميركي يُوطِدُ سيطرته الاحادية على العالم. فتعلن على الفور أنها مع حليفتها روسيا قررتا مقاطعة قمة البحرين المرتقبة اواخر الشهر المقبل.
كانت الصين قبل هذا الموقف تمتنع عن المشاركة العلنية في الصراعات السياسية الدولية والاقليمية وذلك لتسهيل اختراقات سلعها لمعظم اسواق العالم. وكانت تفرُ من المجابهات السياسية وتتسربل بحيادية بدا فيها السياسي الصيني مختبئاً خلف ستارة شفافة يرقب من خلالها انتشار سلعه في الأسواق العالمية مطلقاً ابتسامة ماكرة توحي بأن الصين في مرحلة ترقب فقط.
لكن هذا التمنّع لم يردعها عن بناء «جزر اصطناعية» في بحر الصين اقامت عليها قواعد عسكرية في مواجهة الهيمنة الأميركية الكاملة على دول البحر.
وحدها كوريا الشمالية حافظت على حلفها العميق مع الصين التي تعاملها بالمقابل بأهمية جيوبوليتيكية متقدمة، لكنها لم تدفع الأمور مع الأميركيين الى صدام مكشوف حتى في الحروب الاقتصادية المندلعة بينهما على أكثر من صعيد. وهذا يكشف عن نزوع أميركي الى عرقلة الصين قبل استقرارها في ثنائية دولية للقرار الدولي او ثلاثية.
لم تكن الصين إذاً تعبأُ بحروب إيقاع الضرائب عليها من الأميركيين وذلك بخلفية اقتناعها بالنجاحات الاختراقية التي حققتها سلعها في الأسواق الشعبية الأميركية والاوروبية والأفريقية والآسيوية وصولاً الى استراليا.
فإذا كانت واشنطن مسرورة بأحاديتها والروس بتمكنهم العسكري، فإن الابتهاج الصيني متمركز في تلك السلعة الصاروخيّة الطابع التي اراد منها النظام الشيوعي الصيني استعمال وسائل دفعٍ رأسمالية لتأمين حاجات مواطنيه المتخطين المليار وربع المليار نسمة.
هناك اذاً مفترق استراتيجي فرض على الصين دعم اقتصادها الكوني بالسياسة العالمية. علماً بأنها المرة الاولى التي تعلن فيها موقفاً مشتركاً مع الروس، لكنها كانت مواقف عامة حول حق الشعوب بالتحرّر وتأييد التطور ورفض الهيمنات.
فذهبت هذه المرة الى الكشف عن تبنيها آليات سياسية قادرة على مواجهة المرحلة الأخيرة من الامبراطورية الأميركية وهي مرحلة خطرة يضرب فيها الأميركيون شمالاً وجنوباً من دون تمييز لإنقاذ نفوذهم المتراجع.
ابتدأ هذا «الحراك الأصفر» تطبيق موقفين صينيين متناقضين من موضوع محاولات أميركية لتصفير النفط الإيراني فأعلنت بكين الالتزام بها لكنها تواصل استيراد النفط من إيران، علماً أنه كان بإمكانها استيراد كميات كبيرة ونظامية منه من أي مكان في العالم.
وكانت تأمل بأن يضرب اليأس رؤوس الأميركيين فيعودون عن الاستهداف العشوائي والمركز، إلا أن «رادارها الاستراتيجي» أنبأها بأن مسلسل القمم الأميركية التخطيط التي تجمع السعودية اثنتين منها هذا الشهر إسلامية وخليجية وثالثة في البحرين آخر الشهر المقبل أفهمها بوجود مشروع أميركي لإقفال باب العالم العربي والإسلامي في وجهها مع الروس على أن تتولى الضرائب الأميركية التصاعدية إقفال الأبواب امام سلعها، والطرفان الأميركي والعربي الإسلامي قادران حسب الخبراء الأميركيين على كسب معركة الصراع على أفريقيا وبعض أنحاء آسيا الاسلامية.
وهذا السيناريو يحتاج عملية «جمع وضم» في الشرق الأوسط لإنتاج الآليات المؤثرة والمطلوبة، فظهرت طلائع التحرك الأميركي برعاية قمتين خليجية وعربية في السعودية.
زعمت أنها لتأمين موقف موحّد من إيران كجاري عادتها في التحشيد. والحاجة الأميركية السعودية الى وحدة الموقف في هذه المرحلة الاستراتيجية فرضت على الرياض دعوة قطر الى القمم الثلاث وتركيا الى قمة البحرين على الرغم من الصراعات العميقة بينها، لكنها الحاجة الأميركية الحالية الى أكبر عدد ممكن من الدول داخل إطار الآلية الأميركية لمنع تقلص الأحادية الأميركية أو تناثرها.
فاكتفت الصين عند هذا الحد بالموقف الروسي المناهض بشدة للعقوبات على إيران ومحاصرتها إلا أنها لم تعد تستطيع الصمت للضرورة الاقتصادية عن «ورشة البحرين» الذاهبة بوضوح نحو دفع حلف إسلامي عربي إسرائيلي أميركي له عنوان فلسطيني وأبعاد صينية روسية، فإذا كان انهاء قضية فلسطين هو المدخل الى هذا الحلف، فإن تمتينه بمثابة استخدام لأسلوب الاحلاف الاستراتيجية في وجه تطور القوى العالمية مثل الصين وروسيا واوروبا والهند.
لذلك ربط الصينيون بين محاصرة إيران وقمتي السعودية وورشة البحرين كسياق أميركي صرف لإقفال الاسواق امام السلع الصينية ومنع الادوار الإقليمية والدولية الروسية والصينية في آن معاً، فكان لا بدّ من مباشرة تحرّك مشترك بين بكين وموسكو يرتدي هذه المرة شكل منازلات سياسية ذات طابع استراتيجي من فنزويلا وأميركا الجنوبية الى الشرق الأوسط.
فهل بدأ عصر الثلاثيّة الدولية؟
المُسلمة الأولى تفيد بأن الاحادية الأميركية تتراجع وسط صعود للادوار الروسية الصينية. وهي ادوار تنحو نحو العالمية، لكنها لم تدركها بعد أو تستقر في أبراجها، فالصراع في الشرق الأوسط أساسي لتثبيت هذه التوازنات الجديدة، ونجاحها في منع إلغاء قضية فلسطين اساسي لاجهاض الحلف الاسلامي الخليجي الإسرائيلي المكلف بإقفال السياسة والاقتصاد في وجه الروس والصينيين.
لقد وصلت الصين الى مرحلة الاقتناع بأن الخسارة المؤقتة لبعض سلعها في اسواق الخليج او أميركا هي من لزوم معركة الصراع الأكبر على اسواق العالم بأسره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
د. وفيق إبراهيم