(نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1440هـ

925

المشهد اليمني الأول/

14 رمضان 1440 هـ الموافق 19 مايو 2019م

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ ربِ العالمين، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ الملكُ الحقُ المبينُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمداً عبدُه ورسولُه خاتمُ النبيين.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ وباركت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.

وارض اللهم بِرضاكَ عن أصحابِه الأخيارِ المُنتجبين وعن سائرِ عِبادِك الصالحين.

أيها الأخوةُ والأخوات، السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته..

وتقبّلَ اللهُ مِنّا ومِنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمالِ، اللهم اهدنا وتقبل منّا إنكَ أنتَ السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.

الحديثُ على ضوءِ الآياتِ المُباركةِ من سورةِ الإسراء فيما يتعلقُ بموضوعٍ مهمٍ وهو الموضوع الاقتصادي، نجدُ على ضوءِ تلك الآيات المباركةِ أنَّ من أخطرِ ما يتورطُ فيه الإنسانُ هو ارتكابُ الجريمةِ بهدفِ الحصولِ على المالِ، بهدفِ مكافحةِ الفقر، بهدفِ الحصولِ على الثروةِ والغِنى، ورُبما من أهمِ الأسبابِ ومن أبرزِ الأسبابِ في كثيرٍ من الجرائمِ وفي كثيرٍ من المَعاصي والذنوبِ وفي كثيرٍ من الانحرافاتِ بكلِ أشكالِها هو الطمعُ والسعيُ للحصولِ على المالِ بأي وسيلة.

المعاصي والذنوبُ والانحرافات التي سببُها ذلك هي كثيرةٌ جداً، كثيرةٌ جداً، والحديثٌ عنها واسعٌ ولا يتسعُ الوقتُ للحديثِ عنها بكلِها، والمسألةُ معروفةٌ في واقعِنا البشري، انحرافاتٌ ثقافيةٌ، كذلك انحرافاتٌ على المستوى الأخلاقي، انحرافاتٌ في ما يتعلقُ بالجرائمِ والمعاصي والذنوب بأشكالٍ كثيرةٍ جداً، في كثيرٍ منها يكونُ الدافعُ الأساسيُ فيها هو السعيُ للحصولِ على المال، السعيُ للحصولِ على الثروة، السعيُ لجمعِ المالِ بأي طريقةٍ كانت، وهكذا تُعتبرُ هذه المسألةُ مسألةً خطيرةً جداً.

الله جلَّ شأنُه حينما قالَ في كتابِه الكريم {وَلا تَقتُلوا أَولادَكُم خَشيَةَ إِملاقٍ}(الإسراء ـ 31)، نجدُ كيفَ وَصَلَ الحالُ ببعضِ الناسِ إلى قتلِ أولادِهم في الجاهليةِ نتيجةَ الخوفِ مِن الفقرِ، الخَشيةِ من الفقر، جاءَ قولُ الله تعالى {نَحنُ نَرزُقُهُم وَإِيّاكُم}(الإسراء ـ 31) إضافةً إلى آياتٍ أخرى تكفَّلَ اللهُ فيها بالرزق، وأكدَّ لعبادِه أنَّه قد تكفَّلَ برزقِهم، وما علينا إلا أن نأخُذَ بالأسباب، أسبابِ الحُصولِ على الرزق، على الحلال، والحذرُ من كلِ تلك المحرَّماتِ، وهي كثيرةٌ وأصنافُها كثيرة.

اليومَ نحنُ كمجتمعٍ مُسلمٍ معنيون أن نَسعى للخلاصِ من كلِ أسبابِ الكسِبِ غيرِ المشروع، من كلِ الوسائلِ المحرَّمةِ للحصولِ على المالِ أو لمكافحةِ الفقر، وهي كثيرةٌ، هي كثيرة، عندما نجدُ اليومَ البعضَ مِن الناسِ يقفون في صفِّ الباطل، ونحن كشعبٍ يمني نُعاني من العدوانِ الأمريكي الإسرائيلي السُعودي الإماراتي، هذا العدوانُ الظالمُ الغاشمُ المُدمِّرُ الذي يرتكبُ أبشعَ الجرائمِ بِحقِ شعبِنا، يَقتلُ الناسَ بشكلٍ جَماعي في الأسواقِ وفي الأحياءِ السكنيةِ وفي المساجدِ، وفي المناسباتِ الاجتماعيةِ في الأفراحِ وفي الأحزان، يقتلُ الناسَ بغيرِ حَق، يسعى إلى السيطرةِ على هذا البلدِ والتحكمِ بهذا الشعبِ والإخضاعِ لهذا الشعبِ ـ الذي هو شعبٌ مُسلمٌ ـ ليكونَ تحتَ الإرادة الأمريكيةِ والهيمنةِ الأمريكيةِ، والولاءِ لِمن يُوالون أمريكا ويُوالون إسرائيل، يندفعُ البعضُ ليقفَ معهم ليقتلَ أبناءَ شعبِه، ليقتلَ أبناءَ مِنطقتِه، ليقتلَ أبناءَ بلدِه، لماذا؟ مِن أجلِ الحصولِ على المال، يُبرِّرُ بهذا ـ وفي نظرِ البعضِ هذا سببٌ كافٍ ليفعلَ ذلك ـ بِما أنَّه سيحصلُ على المالِ فلا مانعَ عندَه مِن اللحاقِ بالعدو والوقوفِ في صَفِّه والتحركِ من جبهاتِه للزحفِ على أبناء بلدِه ولقتلِهم بأي طريقةٍ كانت، البعضُ سيزحفُ ويكونُ مقاتلاً في المُشاة، البعضُ على أسلحةٍ أخرى، وكمْ يا جرائم؟، البعضُ كذلك من السَاسةِ التحقوا بصفِّ العدوانِ من أجلِ المناصبِ والأموال، البعضُ من الإعلاميين تحولوا إلى أبواقٍ يَنفخُ فيها العدو بباطلِه وزُورِه وتضليلِه وخداعِه، ورَضُوا لأنفسِهم بهذا الدورِ مقابلَ الحصولِ على المال، وهكذا، البعضُ تحتَ عنوانِ عُلماء وتحتَ عنوان دُعاة وقفوا كذلكَ في صفِ العدو، وأصدروا الفتاوى التي تُبيح قتلَ أبناءِ هذا الشعب رجالاً ونساءً وأطفالاً وصِغاراً وكِبارا،ً لدرجةِ أنَّ البعضَ قالَ لا مانعَ أن يُقتلَ أربعةٌ وعشرون مليونَ يمني، أيْ إباحة لأبناءٍ هذا البلدِ بكلِهم صِغارَهم وكِبارَهم.

فالكثيرُ من البشرِ ينحرفون، يرتكبون المعاصي، يرتكبون الجرائمَ، يخرجون عن الحالةِ الإنسانيةِ، ويتخلون عن القيمِ والأخلاقِ والمبادئِ سعياً وراءَ الحصولِ على المالِ لِجمعِ الثروةِ، لمكافحةِ الفقرِ والتخلصِ من الفقر، ويعُرِضُ الناسُ عن الأسبابِ المشروعة، الأسبابِ الصحيحةِ التي هي كفيلةٌ بِمعالجةِ مُشكلةِ الفقر، هي كفيلةٌ بِتوفرِ الحَلالِ والمتطلباتِ الأساسيةِ للناسِ بشكلٍ سليمٍ، ويحافظون على إنسانيتِهم على أخلاقِهم على مبادئِهم على كرامتِهم على شرفِهم على حريتِهم، الحالةُ التي يصلُ إليها البعضُ أنَّه يبيعُ نفسَه، يبيعُ نفسَه في سبيلِ أن يحصُلَ على شيئٍ من المال، مَن يبيعُ موقفَه هو باعَ نفسَه هذه حقيقةٌ لا شكَّ فيها، مَن يجعلُ نفسَه بيدِ الأعداءِ يفعلون بهِ ومِن خلالِه ما يشاءون ويُريدون في أي موقفٍ هو باعَ نفسَه وأوبقَ نفسَه وخَسِرَ نفسَه، بدلاً مِن أن يَبيعَ مِن اللهِ الذي هو يدفعُ لهذا الإنسانِ أغلى ثمن، رضوانَه والجنَّةَ التي عَرضُها السماواتُ والأرضُ والحياةُ الطيبةُ والشريفةُ والكريمةُ في هذه الحياة، ولكن البعض يبيعُ نفسَه بالفعلِ مقابلَ الحصولِ على المال، يقتلُ أبناءَ شعبِه أبناءَ بلدِه مقابلَ الحصولِ على المال، يتحملُ وزراً عظيما وشنيعاً، يسعى لتمكينِ قوى الطاغوتِ والاستكبارِ والشَر، القوى الظلامية، قوى النفاقِ وقوى الكُفرِ مِن التحكمِ بِرقابِ أبناءِ بلدِه وشعبه، جرائمُ كثيرةٌ تدخلُ تحتَ هذا الموقف، موقفٌ في إطارِه جرائمُ كثيرةٌ وشنيعةٌ وفظيعة.

عندما نجدُ البعضَ يتحركون بالاتِّجارِ في المُخدِّراتِ وهي تجارةٌ خطيرةٌ مُدمِّرةٌ كارثيةٌ وتُعتبرُ إنتاجاً للجريمةِ بكلِ أنواعِها، مَن يبيعُ المُخدِّراتِ ويروجُ المُخدِّراتِ هو يَصنعُ الجريمةَ لأنَّ المُخدِّراتِ لها أضرارٌ خطيرةٌ جداً، أضرارٌ صحيةٌ كارثيةٌ ومُدمِّرةٌ لِمَن يتعاطونها، وفي الوقتِ نفسِه يترتبُ على تعاطي المُخدِّراتِ ارتكابُ الجرائمِ والمحرَّمات، فالذي يبيعُ المُخدِّراتِ ـ وإن لم يكن يتعاطاها ـ يبيعُ ويشتري فيها هو مُساهِمٌ أساسيٌ في صُنعِ الجريمة، هو مُساهِمٌ ومتعاونٌ وشريكٌ في كلِ الجرائم التي سيرتكبُها متعاطي المُخدِّراتِ، قد يكونُ من ضِمنها القتل، قد يكونُ من ضِمنها الفواحش، قد يكونُ من ضمنِها السرقات، النهب، السطو، سيكونُ شريكاً في كلِ جريمةٍ يرتكبُها متعاطي المُخدِّراتِ، إضافةً إلى أنَّ انتشارَ المُخدِّراتِ بينَ شبابِ الأمِّة وأبناء الأمِّة يُعتبرُ عملاً تدميريا للأمِّة، لكيانِها، لأنَّه يقتلُ الروحَ المعنوية، المُدمنون على المُخدِّراتِ تائهون ضائعون ساقطون في هذه الحياة، أدوارُهم ستكونُ أدواراً سيئةً، أعمالُهم أعمالاً تخريبيةً، وتصرفاتُهم ستكونُ تصرفاتٍ إجراميةً وعبثيةً، يقتلُ الروحَ المعنويةَ في الإنسان، يُفقِدُ الإنسانَ توازنَه، استقامتَه في هذه الحياة، إنتاجَه، القدرةَ على الإنتاجِ الصحيحِ والسليم، يعُطِّلُ كلَ هذا، فهو قتلٌ معنويٌ للإنسان، قتلٌ معنويٌ للإنسان، وتجريدٌ للإنسانِ مِن هويتِه الإنسانية، ومِن واقعِه الإنساني، في المشاعرِ تتبدلُ المشاعرُ عندَه، في الدوافعِ في الاهتماماتِ تتغيرُ بكلِها وتتبدَّلُ بجميعِها، وهذه حالةٌ خطيرةٌ جداً، إضافةً إلى الكوارثِ الصحيةِ التي تنشأُ نتيجةً لتجارةِ المُخدِّراتِ وتعطيلِ الأسبابِ النافعة، عندما يتجهُ الناسُ لاعتماد الأسبابِ المحرَّمة والوسائلِ المحرَّمةِ بدلاً عن الوسائلِ المشروعة والأسبابِ المشروعةِ ينشطُ الناسُ فتكبُر تلك الوسائلُ والأساليبُ المحرَّمة، وتكبُر آثارُها وأضرارُها في واقعِ الناس وفي حياتِهم، في الوقتِ نفسِه تتعطلُ الأسبابُ المشروعةُ والوسائلُ المشروعةُ، فيغيب مِن واقعِ الناسِ ما ينفعُ ويفيدُ ويَكثُر ويكبُر ما يَضرُ ويُدمِّر، ما يؤثرُ تأثيراً سيئاً في النفوسِ في الواقعِ في الأعمالِ، وينجرُّ الكثيرُ وراءَ هذه الوسائلِ المحرَّمة، البعضُ يرى ذلك المُحشِّشَ وذلك البائعُ والمشتري في المُخدِّراتِ تكثُرُ أموالُه، تكبُرُ تجارتُه، يراه يبني له منزلاً جميلاً وفخماً ويراه يشتري السياراتِ من الموديلاتِ الحديثةِ فينشدّ وراءَ هذه التجارةِ المحرَّمة، وراءَ هذا الكسْبِ غيرِ المشروع، وهكذا ينجرُّ الآخرُ والآخرُ، وتتكونُ في الواقعِ شبكةٌ مِن العلاقاتِ، المُحشِّشُ مَن يبيعُ ويشتري في المُخدِّراتِ يَحرصُ ويحاولُ أن يُنشئَ له شبكةً مِن العلاقاتِ التي يَحتمي بها في المجتمعِ، والتي يُقلِّلُ فيها من النظرةِ السَلبيةِ إليه، حتى عندما يُقسِّمُ ويُوزعُ هدايا لهذا وذاك ويحاولُ أن يكونَ كريماً، فكرَمُهُ ليس كرَماً صحيحا، هو تَصرُفٌ ليمسحَ النظرةَ السلبيةَ إليهِ كمُحشِّشٍ وبائعٍ ومشترٍ في المُخدِّراتِ، وفي الوقتِ نفسِه هو يسعى لأن يكونَ لهُ شبكةٌ من العلاقاتِ التي يَحتمي بها، يحتمى بها مَا إن تذهب الجهاتُ الأمنيةُ لتتخذَ ضدَه الإجراءاتِ حتى يبدأَ ذلك الشخصُ وذلك الشيخُ وذلك الوجيهُ وذلك وهذا وذاك بالوَسَاطاتِ والمساعي والشفاعةِ لهُ والتبريرِ له والتبرئةِ له وشهاداتِ الزُورِ مِن أجلِه، ويُشكِّلُ لهُ حالةً من الحِمايةِ والمُسانَدةِ، وهذا يَصيحُ هنا وذاك يتوسطُ له هناك، وتتحركُ الوساطاتُ مِن هنا إلى هناك، قضيةٌ خطيرةٌ جداً.

الإنسانُ الذي يَشفعُ شفاعةُ سيئةً، أي يتوسطُ لِمُجرمين في سبيلِ أن يحَميَهم مِن إجراءاتٍ مشروعةٍ ضدّهم يكونُ له كِفلٌ منها، يكونُ له حِصةٌ مِن تلك الشفاعةِ السيئةِ، ويكونُ شريكاً له في الجُرْ،مِ يكونُ مُساهماً في حمايةِ المُجرمين، عندما يذهبُ شيخُ أو وجاهاتٌ أو أبناءُ منطقةٍ للتعاطفِ مع مُحشِّشٍ يعرفونه أنه يبتاعُ ويشتري في الحشيشِ والمُخدِّراتِ لأنَّه ساعدَ هذا وساهَمَ مع ذاك وأعطى هذا وأعطى ذاك وكان هدفُه الأساسُ مِن ذلك أن يَحميَ نفسَه عندما يواجهُ المشكلةَ مع الدولةِ مع الجهاتِ الأمنية، فيتعصَّبُون معه ويُدافعون عنه ويتوسطون له، يُصبحون شركاءَ في الجُرْمِ عندَ اللهِ سبحانه وتعالى، شركاءَ في الإثمِ، وهذه قضيةٌ خطيرةٌ جداً عندما تكونُ شريكاً للمُحشِّشِ في إثمِه وجُرمِه، والمُحشِّشُ شريكٌ للأعداءِ الذين يسعون إلى تدميرِ اقتصادِنا كشعبٍ يمنيٍ أو كبلدٍ مُسلمٍ أو كأمَّةٍ مُسلمةٍ بشكلٍ عام، ويُريدون أن يُضيِّعونا، أن يُضيِّعونا وراءَ الأشياءِ التافهةِ والمحرَّمةِ بدلاً مِن أن نبني لنا اقتصاداً صحيحاً واقعياً سليماً.

الدولُ التي نَهَضَت اليومَ وهي في المَصافِ الأولى في نهضتِها الاقتصاديةِ ما الذي بَنى اقتصادَها؟ هل تُجّارُ مُخدِّرات أم مؤسساتٌ عملاقةٌ وشركاتٌ عملاقة؟، شركاتٌ تَصنعُ كلَ الأغراضِ التي يَحتاجُ إليها الناسُ، شركاتٌ تصنعُ طائرات، شركاتٌ تصنعُ سيارات، شركاتٌ تصنعُ مختلفَ الأغراض، بهذا نهضتْ تلك البلدانُ، هل نهَضَت الصينُ لأنَّ الصينيين أصبحوا تجُّارَ مُخدِّرات وأصبحَ كلٌ مِنهم يبيعُ ويَشتري في المُخدِّراتِ؟ أم أنها نهضت بالشركاتِ والمؤسساتِ والنشاطِ الاقتصادي النافعِ الذي يتجهُ إلى مختلفِ أغراضِ الحياةِ ـ متطلباتِ حياةِ الناس ـ ليصنَعَها، ليُنتِجَها ليوفِّرَها؟، عندما نجدُ أنفسَنا نستوردُ مختلفَ المحاصيلِ الزراعيةِ وفي مُقدمتِها القمح، القمحُ الأسترالي القمحُ الروسي القمحُ الكندي القمحُ من تلك البلدان، تجدُ تلك البلدانَ الناهضةَ اقتصادياً نهَضتْ بالزراعةِ، نهضت بالصناعةِ، لمْ تنهضْ ولم تَبتنِ بالمُخدِّراتِ وتجارةِ المُخدِّراتِ، لو يتجهُ الناسُ إلى الوسائلِ المحرَّمةِ هذه وإلى هذهِ الكوارثِ المُدمِّرة ستكونُ أسوأَ بديلٍ في الوضعِ الاقتصادي، أسوأَ بديل، فلا يبتني للأمةِ اقتصادٌ حقيقي ولا نهضةٌ حقيقيةٌ أبداً، وإنما يُتاجرُ الناسُ بما يُدمِّرهم، بما يَضرَّ بهم، بما يكونُ سبباً لانتشارِ الجرائمِ لانتشارِ المُنكَرَاتِ، لانتشارِ الفواحشِ، لانتشارِ ما يُدِّمرُ الصحةَ، صحةَ شبابِنا، فيكونُ الناسُ يبتاعون ويشترون في ما يُدِّمرُ صحةَ المجتمعِ وأخلاقَه، وفي ما يُدِّمرُ أمنَه، وفي ما يكونُ سبباً لانتشارِ الجرائم، هذا أمرٌ شنيعٌ، هذا أمرٌ يُنافي الإسلامَ، ينافي الأخلاقَ، ينافي القيمَ، ينافي المبادئ، ولهذا يجبُ أن يعيَ المجتمعُ بكلِه خطورةَ المُمارساتِ غيرِ المشروعةِ، الكسبِ الحرام، الوسائلِ المحرَّمة في الحصولِ على المالِ بكلِ أشكالِها، بكلِ أنواعها، أنَّها خطيرةٌ على المجتمع، خطيرةٌ على الناسِ في حياتِهم، خطيرةٌ عليهم في أمنِهم واستقرارِهم، خطيرةٌ عليهم في استقرارِهم الاجتماعي، خطيرةٌ عليهم في اقتصادِهم، لا يُمكنُ أن ينهضوا اقتصادياً، وخطيرةٌ عليهم في أخلاقِهم وقيمِهم، خطيرةٌ عليهم في دينِهم، قضيةٌ خطيرةٌ جداً جداً جداً، وهذه المسألةُ من أهمِ المسائلِ التي يجبُ أن يتعممَ فيها الوعيُ، أن يُركِّزَ عليها الخطابُ الديني والتثقيفي والتوعوي من العُلماءِ والخُطباءِ والمُرشدين والمُثقِفين والمُعلمين، مسألةٌ مهمةٌ جداً، غيابُ الحديثِ عنها يجعلُها ظواهرَ، تتحولُ في المجتمعِ إلى ظاهرةٍ، انتشارُ البيعِ والشراءِ في المُخدِّراتِ ونشاطُ المُحشِّشين يتوسعُ يوماً بعدَ آخر، وهذه مسألةٌ خطيرةٌ للغاية، خطيرةٌ وسلبيةٌ جداً، يجبُ أن تكونَ مُحاربَةً من الجميع، أن تكونَ منبوذةً أن تكون مرفوضةً، أن لا يجدَ المُحشِّشُ ساحةً وبيئةً تُساندُه، ولا يجوزُ للبعضِ أن يحصُلَ على هِبَةٍ أو هديةٍ أو مكأفاةٍ أو شيئٍ من ذلك، هذه رِشوةٌ، رشوةُ حَرامٍ ليساندَ ليقفَ مع هذا الشخص أو مع ذلك الشخص، وهكذا هي كثيرةٌ الوسائلُ المحرَّمة التي تُدمِّرُ في المجتمعِ الصحةَ العامة، كم يَمرضُ مِن الناسِ من تعاطي المُخدِّراتِ؟ ولو في البلدانِ الأخرى، ولو في بلدانِ الخليج، فلو أنت تُصدِّرُ ذلك إلى السُعوديةِ أنت تُدمِّرُ المجتمعَ السَعودي وهو مُجتمعٌ مُسلم، لا يجوزُ أبداً، أنت تُدمِّرُ اقتصادَك لأنك تُساهمُ في توجهِ الناسِ نحوَ بناءِ اقتصادٍ هَشٍّ قائمٍ على الحرامِ وعلى ما يُدمِّرُ وعلى ما يَضرُ بالناسِ في صِحتِهم وفي أمنِهم وفي أخلاقِهم وفي واقعِهم الاجتماعي، والبلدانُ الأخرى نهضتْ لأنَّها اهتمت في أعمالِها الاقتصاديةِ على ما ينفع، على ما يُفيدُ بشكلٍ أساسي، بشكلٍ أساسي، فصنعوا وركزوا على الزراعةِ وطَوَّروا العملَ الزراعيَ والإنتاجَ الزراعي حتى صَدَّروا إلى مختلفِ بِقاعِ العالم.

فالمسألةُ خطيرةٌ جدا، يجب التركيزُ على الوسائلِ المشروعةِ التي فوائدُها كثيرة، تَبني المجتمعَ، تبني اقتصادا حقيقياً سليماً نافعاً، وفي الوقتِ نفسِه لها آثارٌ إيجابيةٌ في الواقع، لاحظوا في بعضِ البلدان ركَّزتْ بعضُ الشعوبِ على عمليةِ الإنتاج، الإنتاج أن تكونَ شعوباً مُنتِجة، هذا هو التوجهُ الصحيح، أن تكونَ شعوباً مُنتِجة، تبدأُ هذه العمليةُ على مستوى الأسر، تتعودُ الأسرُ كيفَ تُنتِجُ ما تستطيع، ويتهيأ هذا في الريفِ إلى حدِّ كبير، ويتهيأُ في بعضِ المدن، في سوريا مثلاً عمليةُ الإنتاجِ حالةٌ متميزةٌ وخصوصاً قبلَ الحربِ على سوريا والعدوان على سوريا الذي رَعَتهُ أمريكا ورَعاهُ الغربُ ودَعمتهُ ومولَّتُه أنظمةٌ عربية، في سوريا عمليةُ الإنتاجِ عمليةٌ على مستوى جيدٍ ومُتقَدمٍ قياساً ببقيةِ البلدانِ العربية، البعضُ من الأسرِ تُنتِجُ ـ على مستوى الصناعاتِ الغذائيةِ والمُنتجَاتِ الغذائية ـ تُنتِجُ أشياءً كثيرةً في المَنزِل، تُنتِجُ المُربَيات، تُنتِجُ الفواكهَ المُجفَّفة، تُنتِجُ مشتقاتِ الألبان، الجبنة، الزبادي، تُصنع في المنزل، الخَلُّ كذلك يُصنع في المنزل، أشياءٌ كثيرةٌ تُصنَعُ في المنزل ويتمُ إنتاجُها في المنزل، أدواتُ التنظيف، أدواتُ التنظيفِ تُصنَعُ بمختلفِ أنواعِها، الصابون، سواءً الصابون المسحوق أو الصابون الآخر، أنواعٌ كثيرة أغراضٌ كثيرةٌ يتمُ إنتاجُها في المنزل، تستطيعُ الكثيرُ مِن الأسرِ أن تتعودَ إنتاجَ الكثيرِ من هذه الأغراض، كثيرٌ من أعمالِ التطريزِ والخياطةِ وما شاكلَ ذلك يتمُ أيضا التعلمُ عليها، إنتاجُها، صناعتُها في المنازل، للأسر، وتُصبحُ وسائلَ لأن تَحصُلَ هذه الأسرُ على المال.

بدأتْ خطواتٌ أوليةٌ مِن هذا القبيلِ ترعاها مؤسسةُ “بنيان” وبعضُ المؤسساتِ والجمعياتِ في البلد، ويُمكنُ أن تتطورَ هذه الأنشطةُ لِمساعدةِ الأسرِ كيف تكونُ أسراً مُنتِجة، أمّا في الريف يُمكنُ للأسرةِ أن تقتنيَ الدجاجَ والبيضَ والغنمَ والماعزَ والحليبَ وأشياءً كثيرةً في الريفِ يُمكنُ اقتناؤها، وتُمثِّلُ حالةً مهمةً جداً في توفيرِ الاحتياجاتِ الضرورية، تُساعدُ الناسَ على توفيرِ احتياجِهم مِن الموادِ الغذائيةِ الأساسية، بعضُ الأسرِ كم ستكونُ كلفةُ شراءِ البيضِ عليها في العام؟ البيضُ لوحدِه، قد تصلُ مَبالغَ لو تَحسِبُها أسرةٌ مُعينةٌ كم اشترت خلالَ سنةٍ كاملةٍ مِن البيض، كم كلَّفها مالياً، وكم كانت هذه الكُلفةُ ستستفيدُ منها في شيئٍ آخر لو بقيَ لديها دجاجٌ، يتوفرُ لها البيض مجاناً، وهكذا، ماعز أو اثنتين ماعز قد تكفي أسرة، أو ماعز واحدة وهي حَلوبٌ تكفي لأسرةٍ، تُوفِّرُ لها الحليبَ أو تُوفِّرُ لها اللبنَ والسَمْن.

العمليةُ التنمويةُ بدءًا مِن الأسرةِ والتركيزِ عليها في واقعِ الأسرة، أشياءُ كثيرةٌ تتوفرُ لهذا أو ذاك، هذا بشكلٍ وهذا بشكلٍ آخر، هذا بمستوى وهذا بمستوى آخر في واقعِ الأسر، التعودُ والتعلمُ على إنتاجِ الكثيرِ من الأشياء، هذه مسألةٌ مهمةٌ وإيجابية، يُمكنُ إنشاءُ المؤسساتِ التي تُساعدُ هذه الأسرَ، وُيمكنُ أن تُوسَّعَ مؤسسةُ “بنيان” وغيرُها مِن المؤسسات، يُمكنُ للجانبِ الرسمي أن يُنشِئَ مُبادراتٍ وكذلك مشاريعَ عمليةً تُساعدُ الأسرَ المُنتِجة.

يُمكنُ أن يُنشِئَ الناسُ على مستوى أوسع، تعاونياتٍ زراعيةً، جمعياتٍ استثماريةً، أعمالاً كثيرةً تُساهِمُ وتُساعدُ الناسَ في بناءِ اقتصادٍ صحيحٍ بدلاً مِن التسول، البعضُ يتجهون للتسوّلِ، وهذه عادةٌ سلبيةٌ جداً وكريهةٌ للغايةِ وسيئةٌ جداً تَحطُّ من كَرامةِ الإنسان، والبعضُ ليسوا مُضطرين، أي لمْ يَصِلْ بِهمُ الحالُ إلى الاضطرار، والبعضُ لا يتفاعلون معَ مَن يَسعى إلى إنقاذِهم مِن هذهِ الظاهرةِ السلبيةِ جداً، نحنُ جرَّبْنَا هذا وأقمنا نشاطاً لرعايةِ بعضِ المُتسولين والسعي لإنقاذِهم مِن ظاهرةِ التسول التي هي حطٌ مِن الكرامةِ وحاولنا أن نُقنِعَهم للكفِّ عن هذهِ الظاهرةِ وُمساعدتَهم مالياً حتى يَخرجوا مِن هذه الظاهرةِ ومساعدتَهم عملياً بمشاريعَ معينةٍ وبرعايةٍ بشكلٍ أو بآخر، فحاولَ البعضُ أن يتهرَّبوا مِن ذلك، واتجهوا نحو ظاهرةِ التسولِ بِما يَدخلُ ضمنَها مِن أساليبَ سلبيةٍ ولا إنسانية، البعضُ يُعرّونَ أطفالَهم في الشمسِ لفتراتٍ طويلة، للاستعطافِ بهذهِ الوسيلة، البعضُ يَنشطون بشكلٍ أو بآخر، يتظاهرون بالمرضِ أو يتظاهرونَ بالجراحةِ أو يتظاهرون بأشكالٍ معينة، وهناك حالاتٌ فعلاً إنسانيةٌ مؤلمةٌ جداً موجودةٌ في حالاتِ التسولِ وفي حالاتِ بعضِ المتسولين، لكن هذه الحالةَ يجبُ معالجتُها أيضاً، ظاهرةُ التسولِ يجبُ معالجتُها، الجمعياتُ وكذلك الدولةُ مِن جانبِها، المؤسساتُ المختلفة، المجتمعُ بنفسِه أن يحاولَ أن يساهمَ في معالجةِ هذه الظاهرةِ التي هي ظاهرةٌ خطيرةٌ وتتحولُ في بعضِ الحالاتِ لبعضِ الناسِ إلى عادةٍ مُحبَّبةٍ لأنَّه يرى فيها مَصدراً سهلاً للدخلِ بدلاً عن العملِ، وهذه جريمةٌ، جريمة، مَن يتجهُ وهو غيرُ مُضطَّرٍ لفعلِ ذلك، فيجبُ أن يتعاونَ الجميعُ في احتواءِ هذه الظاهرة، من جانبِ المجتمعِ نفسِه، ومن جانبِ الدولةِ نفسِها، مِن المؤسساتِ والجمعياتِ أن تسعى لمعالجةِ ظاهرةِ التسولِ ومُساعدةِ الناسِ المُضطَّرين أو الذين يعُانون من ظروفٍ صعبة، مِن خلالِ العمل، مِن خلال الإحسانِ، من خلالِ الرعاية، من خلالِ حتى القَرْض، مهمٌ جداً رعايةُ هذا الجانبِ إلى جانبِ الإحسان، إلى جانبِ الهِبَة، الصَدقة، العطاء، مهمٌ أيضاً القَرْض، في بعضِ البلدانِ هناك تجاربُ جيدةٌ للقرضِ الحَسَنِ، القرْضِ غيرِ الرَبَوي، أما القرضُ بالرِبا وعلى أساسِ الرِبا فهو محرَّمٌ وهو لا يُمثِّلُ أيَ مُساعدةٍ، هو استغلالٌ، هو عملٌ انتهازيٌ لا إنساني، ابتزازُ الناسِ بحسبِ ظُروفِهم وعلى أساسِ الاستغلالِ لمعاناتِهم، لكنَّ القرضَ غيرَ الربوي هو إحسانٌ، هو خدمةٌ كبيرةٌ يُقدمُها الإنسانُ إلى أخيهِ الإنسان، وتعاونٌ مهمٌ، هو مِن التعاونِ على البِرِّ والتقوى، فيه أجرٌ، فيه فضلٌ، له أهميةٌ، له قيمةٌ إنسانيةٌ وأخلاقيةٌ وإيمانيةٌ ودينية، القرضُ في حالةِ العُسرَةِ إلى حالةِ الميَسرَة، على مستوى الناسِ في ما بينَهم، أن يتعاطفَ هذا مع ذاك ويُقرِضَهُ عندَ الظروفِ الصعبة، في الوقتِ نفسِه المؤسساتُ التي يُمكن إنشاؤها لتقديمِ هذه الخدمةِ للبعضِ الآخرِ مع الناس، مع أنَّ المؤسسات لا يجبُ أن تكونَ بديلاً عن تعاونِ الناسِ في ما بينهم، أبناءِ المجتمعِ في ما بينهم، لأنَّ هذا يساهمُ في تعزيزِ الروابطِ الأخوية، يُساعدُ في تعزيزِ الأمنِ الاجتماعي والاستقرارِ في ما بين الناسِ، ويُقلِّصُ الجرائمَ، يُعزِّزُ مِن حالةِ المحبةِ والإخاءِ والمَودةِ في ما بينَ أبناءِ المجتمع.

فنحنُ يجبُ أن نُركِّزَ على الوسائلِ المشروعة، على الوسائلِ الإيجابية، وأن نعُزِّزَها في المجتمع، وأن نُحاربَ وأن نَسعى لمكافحةِ كلِ الوسائلِ المحرَّمةِ وأن نُحاصِرَها بالوعي، بالإرشاد، بالتثقيفِ، بالتعليمِ، وأيضاً بالإجراءات، بالعملِ، أن نتحركَ على كلِ المستوياتِ والمَساراتِ.

{إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}(الإسراء ـ 31)، ذنبٌ عظيمٌ، الخِطْءُ الذنبُ والجريمةُ الكبيرة، وهكذا عندما تقتُل شعبَك، عندما تقتلُ الناسَ صحياً، عندما تبيعُ للناسِ المبيداتِ التي تنشرُ السرطانَ، تنشرُ فيروسَ الكَبِدِ المُدَمِّرِ لصحةِ الناسِ تكونُ قاتلاً، عندما تعملُ لِكَسبِ المالِ بالقتل بغيرِ حقٍ للناسِ في صِحتِهم، عندما تقتلُ فيهم الروحَ المعنويةَ، عندما تنشرُ الجريمةَ، عندما تساهمُ في ما يَضُر، هذه قضيةٌ خطيرةٌ جداً، والمفترضُ هو المكافحةُ لكلِ الوسائلِ المحرَّمةِ والمُدمِّرةِ، والتي عندما يتحركُ الإنسانُ فيها ويَعتمدُ عليها هو يتجردُ ويتخلى عن إنسانيتِه، عن أخلاقِه، عن إيمانِه، عن كَرامتِه، ويكونُ إنساناً دنيئاً مُتوحشاً ومُجرِماً والعياذُ بالله.

نكتفي بهذا القَدر، وننتقلُ إن شاءَ اللهُ في مُحاضرةِ الغدِ إلى قولِ اللهِ جلَّ شأنُه {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} (الإسراء ـ 32).

نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يُوفقَنا وإياكم لما يُرضيهِ عنّا، وأن يرحمَ شهدائَنا الأبرارَ، وأن يشفيَ جَرحانا، وأن يُفرِّج عن أسْرَانا، وأن ينصرَنا بنصرِه، إنه سميعُ الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه