معادلة الرعب الجديدة: “الدرونز” والعمق النفطي

5021

المشهد اليمني الأول |

في ضربة نوعية تندرج في إطار سياسة الصبر الاستراتيجي التي رسمها زعيم حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي منذ العام الأول للعدوان على اليمن، نجحت قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية في استهداف محطتي ضخ نفط تابعتين لشركة “أرامكو” السعودية لهجوم بطائرات دون طيار.

لم تعمد السعوديّة هذه المرّة إلى النفي، بل سارع وزير الطاقة السعودي إلى الإعلان عن استهدف محطتي ضخ أنابيب غرب الرياض بطائرات مفخخة، في خطوة لم نعتد عليها منذ بدء العدوان حيث كانت السعودية تنفي دائماً أي هجوم تتعرّض له، أو تقلّل من أهميته، ولعلّ الهدف من هذا الإجراء صبّ الزيت على التوتّر الإيراني الأمريكي في المنطقة لا أكثر.

هناك من ذهب بعيداً في التحليلات معتبراً أن ما حصل من استهداف في السعوديّة يمثّل رسالة إيرانية، وهذا التحليل يبدو غير دقيق ولا يستند إلى وقائع.

صحيح أن ما حصل يخدم إيران في مواجهتها مع واشنطن، لكن أن تكون إيران خلف العملية كما يروّج البعض شيء، وأن يصبّ الأمر في مصلحتها شيء آخر، فعلى سبيل المثال، إن التوتّر الحاصل بين الصين وأمريكا يصبّ في مصلحة إيران، فهل من الصحيح أن ندّعي بأن إيران هي التي تقف خلف هذا التوتّر؟ هل من الصحيح أن نتهم إيران على سبيل المثال، بالوقوف خلف التجارب النووية الكوريّة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بناءً على هذا التوجّه: لماذا عمدت أنصار الله إلى هذا الاستهداف وفي هذا الوقت تحديداً؟

للإجابة على هذا السؤال لا بدّ من ذكر التالي:

أوّلاً: أتقنت القوات اليمنية ضربتها في الشكل والمضمون والتوقيت. إن اختيارها للنفط في هذا التوقيت ينطلق من الأهمية التي توليها كل من السعودية وأمريكا لسلامة تدفّق النفط في هذا التوقيت تحديداً، ما تريده حركة أنصار الله هو وقف النزيف من شرايين الشعب اليمني، ولو كان هذا الأمر من خلال استهداف الأنابيب السعودية النفطية، “فإذا ما أردتم تدفّق النفط بسلام فعليكم وقف العدوان، وفي حال استمرار العدوان سنضغط بورقة النفط إلى أقصى حد”.

المتحدّث باسم حركة أنصار الله محمد عبد السلام علّق على ما حصل بالقول: في مواجهة هذا الاستهتار من قبل تحالف العدوان وما يمارسه من “إرهاب” منظّم وبغطاء أمريكي دولي فلا خيار أمام شعبنا العزيز إلا الدفاع عن نفسه.

ثانياً: إن ما حصل يشكّل تحوّلاً نوعياً في الحرب ولاسيّما أن العملية هي الأكبر منذ بدء العدوان على اليمن.

تشير العملية التي تمّت من خلال سبع طائرات مسيّرة إلى التطوّر النوعي للقدرات اليمنية، فضلاً عن كونها تؤسس لمرحلة جديدة في مواجهة العدوان في الضغط على السعودية من خلال هذه الخاصرة الرخوة التي تعدّ تهديداً لاقتصاد السعودية ولرؤية ولي العهد 2030 الاقتصادية، فقد أشارت شبكة “سي ان بي سي” الأمريكية أن التوترات الجيوسياسية أفقدت البورصات الخليجية 33 مليار دولار في يوم واحد، فماذا لو تكرّرت هذه العمليات على النفط؟

ثالثاً: في الحقيقة، لا تضغط أنصار الله من خلال هذه العملية على السعودية فحسب، بل على كل الدول الغربية الداعمة للرياض في عدوانها، وفي مقدّمتهم أمريكا والدول الغربية التي تحرص على استقرار أسعار النفط كونها المستورد الأكبر.

إن مفاعيل هذه الضربة تتعدّى الرياض، لتصل إلى واشنطن والعديد من العواصم الأوروبية، وبالتالي لا بدّ أن تتحمّل هذه الدول تبعات هذا الدعم علّها تضغط على السعوديّة لوقف عدوانها.

رابعاً: نقول لأولئك الذين يحاولون تحميل تبعات هذا الأمر لإيران كونها تدعم أنصار الله التي تستهدف السعوديّة في الردّ على العدوان.

صحيحٌ أن إيران أعلنت وقوفها إلى جانب الشعب اليمني منذ اليوم الأوّل للعدوان عام 2015، ولكن من الذي دعم صدّام خلال الحرب المفروضة على إيران؟ ألم تقدّم السعودية ما يفوق مئة مليار دولار باعترافهم ضدّ إيران؟  ألا تتحمّل السعوديّة مسؤولية دماء عشرات الآلاف من الشهداء الإيرانيين الذين ارتقوا في هذه الحرب؟ إن ما ذكرناه هو قياس مع الفارق، فصدام مُعتدٍ، والشعب اليمني مُعتدى عليه، ولكن قمنا بسردها من منطلق ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم. هنا من حقّنا أن نسأل، أولئك الذين يتّهمون طهران، ويتلطّون بواشنطن، أين هي تلك القواعد التي حاول كل من وزير الخارجية مايك بومبيو، والمبعوث الخاص في شأن إيران براين هوك، ترسيخها في المنطقة، بأن أي هجوم على حلفاء واشنطن لن يمرّ من دون ردّ، وأن زمن التمييز بين طهران وحلفائها أو تجاهل هجماتها قد ولّى؟ لا نقبل بأن ما حصل رسالة إيرانية، ولكن إذا ما كانوا هم يعتقدون كذلك، فأين الحماية الأمريكية لهم؟

خامساً: في الإجابة على السؤال المذكور أعلاه، تجدر الإشارة إلى نقطتين في غاية الأهميّة، أولاً: يمنع الدستور الإيراني أن تقوم الجمهورية الإسلامية بالبدء بأي حرب مع أي طرف كان، ولهذا الأمر جذور في التاريخ الإسلامي عند الشيعة لسنا في وارد التفصيل عنها، كما أن تجارب السنوات الأربعين تدلّ على ذلك، وبالتالي لن تعمد إيران إلى إطلاق رصاصة واحدة نحو السعوديّة والإمارات في أي مواجهة مع واشنطن رغم أننا من المعتقدين بأن احتمال الحرب بين إيران وأمريكا هو صفر بالمئة في حقبة ترامب. ثانياً: لن تنجح واشنطن في حماية أي دولة خليجية تكون منطلقاً للعدوان على إيران بأي شكل من الأشكال.

عندما تكون أراضي بلادك منطلقاً لأي تحرّك عسكري نحو بلد ما، فهذا يعني أنك شريك بهذا العدوان، وبالتالي ستكون شريكاً في المواجهة والخسائر الناتجة عنه، باستطاعة طهران تسوية الإنجازات السعوديّة والإماراتيّة بالأرض خلال ساعات قليلة على صعيد النفط والاقتصاد حال دخول هذين البلدين في أي مواجهة أمريكية إيرانيّة، لكن ابتعادهم عنها والتزامهم الحياد، كما هو الحال في سلطنة عمان، سيجعلهم يعيشون الرخاء الذي افتقدوه في حرب صدّام الذي كان مدعوماً من واشنطن في يوم من الأيام.

تقارير – الوقت