شملت الآيات المباركة عددا من التوجيهات الإلهية المهمة جدا وابتدأت بأساس مهم تبنى عليه كل التوجيهات والتعليمات في الدين الإسلامي يقول الله سبحانه وتعالى {لا تَجعَل مَعَ اللَّهِ إِلٰهًا آخَرَ فَتَقعُدَ مَذمومًا مَخذولًا}.
التوحيد لله سبحانه وتعالى هو الأساس والركن الكبير الذي يقوم عليه الدين الإسلامي بكله في كل تفاصيله وتشريعاته وتوجيهاته، وهو أيضا الركن والأساس في كل رسالات الله إلى أنبيائه على مر التاريخ والله سبحانه وتعالى في كل توجيهاته مع أنبيائه وفي أساس رسالاتهم ودعوتهم للبشرية كان العنوان الأول والعنوان الرئيسي هو التوحيد لله سبحانه وتعالى لأنه الأساس الذي إن آمن به الإنسان والتزم به الإنسان تستقيم عليه حياته في شتى المجالات على أساس من توجيهات الله وهدي الله وتعليمات الله سبحانه وتعالى. كما أن الإخلال به يترتب عليه الانحراف ويتبعه الانحراف في كل مجالات وشؤون الحياة ويتجه الإنسان في حياته على نحو منحرف حتى يصل إلى سخط الله والعياذ بالله.
لا تجعل مع الله إلها آخر، الحقيقة الكبرى في هذا الكون وفي هذا الوجود أنه لا إله إلا الله لا إله بالفعل إلها حقيقيا له الكمال المطلق تأله إليه البشرية تأله إليه المخلوقات هو رب السماوات والأرض هو رب الكون هو رب العالمين وهو المدبّر لشؤون السماوات والأرض وهو الذي يربي هذه المخلوقات أو يدير شؤونها لا إله إلا الله سبحانه وتعالى فإذا عمل الإنسان واتجه في حياته إلى أن يؤله شيئا آخر غير الله سبحانه وتعالى، شيئا آخر من الجمادات من الأصنام الحجرية ونحوها أو من الحيوانات الأخرى أو من الكائنات الأخرى فهو يرتكب أكبر خطأ ويتنكر لأكبر حقيقة وهو يمارس عملية منحرفة وزيغا كبيرا وضلالًا كبيرا ونكرانا وجحودا لأعظم حقيقة ويظلم نفسه بهذا يظلم نفسه ويخالف الحق والعدل عندما تؤله غير الله سبحانه وتعالى ويفعل هذا الكثير من البشر الأغلبية من البشر اتخذوا آلة أخرى والتجأوا إليها كآلهة وهي ليست في واقع الحال آلهة في كثير من الحالات على مر التاريخ اتجه الكثير من الناس من الأمم والأقوام إلى عبادة أصنام حجرية واعتبروها آهلة شريكة مع الله سبحانه وتعالى أشركوا بها مع الله وهي كما هي حجر لا تضر ولا تنفع يأتون إلى منحوتات من الصخر أو منحوتات من جمادات أخرى أو من الأشجار يصنعونها أو يشترونها ممن صنعها ثم يجعلون منها آلهة ينشدون منها ويطلبون منها النصر والخير والنفع ودفع الضر وما إلى ذلك ويعتقدونها آلهة عندما اتخذوها آلهة هي لا تتحول بالفعل إلى آلهة هي لا تتحول بالفعل إلى مصدر لجلب الخير ودفع الضر أو توفير النصر أو الرعاية لهذا الإنسان، لا، يبقى ذلك الصنم الحجري على حاله لا يعطيهم شيئا لا عبادتهم له ولا اتخاذهم له آلهة يحوله بالفعل إلى مصدر رعاية لهم ومصدر نصر لهم ومصدر خير لهم ومصدر لدفع الشر والضر عنهم لا.
البعض أيضا اتخذوا آلهة أخرى وجعلوا آلهة أخرى إما من الملائكة وهذا حال بعض الأقوام عبدوا الملائكة وعبدوا بعضا من الملائكة وجعلوا منهم آلهة، والحال نفسه كذلك لا يجعل منهم في الواقع آلهة، الملائكة في أنفسهم عبيد لله سبحانه وتعالى يعبدون أنفسهم تعبيدا تاما لله سبحانه وتعالى وهم أرقى المخلوقات في عبوديتها لله جل شأنه ولا يتعامل معهم الملائكة على أساس أنهم جعلوا منهم آلهة بل يمقتونهم ويكرهونهم ويتبرأون منهم ويتبرأون من شركهم بهم البعض جعلوا آلهتهم من الأنبياء كما هو حال من جعلوا من نبي الله عيسى عليه السلام إلها وربا وهو كذلك يعبد نفسه لله ويعتبر نفسه عبدا لله ويؤكد على ذلك وكانت أول عبارة نطق بها الدعوة إلى عبادة الله والتأكيد على أنه عبدٌ لله {قال إني عبدالله} وكان كل اهتمامه في حركته بالرسالة الإلهية الدعوة إلى العبادة لله سبحانه وتعالى وتعبيد الناس لله جل شأنه، البعض جعلوا من بعض الكواكب والنجوم آلهة والبعض جعلوا من الشمس آلهة البعض جعلوا من كائنات وجمادات أخرى أو حيوانات أخرى آلهة والضلال في واقع البشر في هذا الجانب ضلال كبير جدا، البعض جعلوا أيضا من الأصنام البشرية من الطغاة والجبارين والظالمين والمتكبرين آلهة والانحراف في هذا الجانب له شكلان: الشكل الأول: الانحراف العقائدي مثلما شرحنا فيمن اعتقدوا في شيء من الجماد أو شيء من الكائنات الأخرى أنها آلهة وشريكة لله سبحانه وتعالى في الألوهية والربوبية وهذا انحراف عقائدي وشرك عقائدي.
الشكل الثاني: وهناك انحراف في الواقع العملي الانحراف في الواقع العملي عندما تطيع الآخرين في معصية الله سبحانه وتعالى وتؤثر طاعتهم على طاعة الله جل شأنه.
فحالة الانحراف هذه في أن تجعل مع الله إلهاً آخر هي حالة خطيرة جدا على الإنسان وتمثل أكبر خطورة على الإنسان لأن الإنسان سيبني مسار حياته بكله على جُرفٍ هار على خطر كبير على غير أساس ولهذا يقول الله جل شأنه {فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} مبدأ التوحيد مبدا عظيم لصالح الإنسان نفسه لأن معناه أنك تثق في الله جل شأنه وتعتمد عليه وهو الإله الحق الذي لا إله إلا هو الذي له الكمال المطلق الذي هو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم الذي هو ربك ورب العالمين ورب السماوات والأرض ورب الناس والملك لهذا العالم والمتحكم والمدرب لشؤون هذا العالم فأنت عندما تؤلهه هو وهو الإله الحق وتلتجئ إليه وتعبده هو سبحانه وتعالى ولا تتخذ معه آلهة أخرى تعتمد عليه وتثق به وتلتجئ إليه ترجوه هو بالخير ولدفع الشر والضر تعتمد عليه، تسير في هذه الحياة على أساس توجيهاته وتعليماته الحكيمة التي هي من منطلق رحمته وبحكمته وبعلمه وهو المحيط بكل شيئ علما فأنت تعتمد على مصدر القوة مصدر الخير الذي يملك لك النفع ويملك لك دفع الضر عنك ويملك لك الخير والذي يقدر على ما لا يقدر عليه غيره وبالتالي أنت تعتمد على من ينفعك وعلى من يدفع عنك الشر والضر وعلى من يجلب لك الخير وعلى من يهديك ويعلمك ويرشدك ويوجهك في مواجهة متاعب هذه الحياة وتحدياتها وصعوباتها إلى ما هو الخير لك يأتيك الخير منه في تدبيره وفي خلقه وفي تشريعه وفي هدايته وفي توجيهه وإلى من حياتك بيده ورزقك بيده وموتك بيده ومصيرك إليه فأنت تتجه على أساس صحيح، أما عندما تجعل معه آلهة أخرى وتلتجئ إلى غيره وتعتمد على غيره فأنت عطلت على نفسك هذا الخير الكبير ولم تعتمد على المصدر الحقيقي للقوة وللخير وللسعادة وللفلاح ولدفع الشر ولجلب الخير ومعناه أنك المتضرر {فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} تكون مسيرتك في هذه الحياة غير معتمدة على المصدر الحقيقي للخير والقوة فتكون مسيرة قائمة على الضعف على العجز على الخذلان تفصل نفسك أنت عن الرعاية الإلهية الشاملة وتتجه إلى من لا يمنحك هذه الرعاية لا في جانب التدبير ولا في جانب الخلق ولا في جانب الهداية ولا في جانب التشريع وتعيش مذموما تستحق الذم لأنك اتجهت اتجاها خاطئا ومنحرفا في أكبر عملية انحراف في أسوأ حال من الجحود والنكران للحق والتنكر للنعمة وللمنعم العظيم وللرب الكريم وأنت في حالة من العصيان وفي حالة من الخذلان التي تستحق معها الذم والعقاب مخذولا فقدت هذه الرعاية الإلهية.
{وَقَضىٰ رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا} تبنى على هذا الأساس المهم وهذا الركن العظيم الذي هو التوحيد لله سبحانه وتعالى تبنى عليه كل التوجيهات والتعليمات لأن الإنسان بعد أن يتوجه في حياته على أساس توحيد الله سبحانه وتعالى فثمرة التوحيد وثمرة مبدأ التوحيد وعقيدة التوحيد هي ثمرة عملية وهذه مسألة من أهم المسائل على الإطلاق التي تحتاج إلى ترسيخها لدينا كمسلمين في أنفسنا كمسلمين أن الثمرة للتوحيد هي ثمرة عملية تعود إلى الواقع العملي، وإلا سنخسر مثلما يخسر الآخرون الذين اتخذوا آلهة أخرى غير الله سبحانه وتعالى وإن بقي لنا من الانتماء للإسلام فوائد ومكاسب تكون محدودة بجانب إذا ما رسخنا هذا المبدأ وانطلقنا على أساسه عمليا في مسيرة حياتنا.
تأتي مجموعة من التعليمات والتوجيهات الإلهية المهمة جدا والتي أتى التوجيه بها من الله سبحانه وتعالى تحت هذا العنوان {وَقَضىٰ رَبُّكَ} وتشمل مسائل متعددة سنأتي على ذكرها كما سمعناها في الآيات المباركة وقضى ربك يعني هذا التعبير أن هذه التوجيهات الإلهية التي وردت بعد هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى هي إلزامية لا مجال فيها للنقاش ولا تساهل تجاه الإخلال بها أي شيء من هذا التوجيهات التي ستأتي وهي جملة توجيهات تتجه إلى جوانب ومجالات الحياة على المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الاقتصادي وعلى مستويات متعددة وفي مجالات متنوعة، هذه التوجيهات بمجموعها هي إلزامية إذا أخل الإنسان بشيء منها يهدم إيمانه ويعاقب ولا مجال للتساهل فيها.
{وَقَضىٰ رَبُّكَ} أمر الله سبحانه وتعالى أمرا ملزما ومؤكدا ومحتوما من موقع ربوبيته، هو ربنا جل شأنه، ليس فضوليا يريد أن يتدخل في شؤوننا فنقول له وأنت ما الذي يعنيك فينا حتى تأتي وتقول افعلوا ولا تفعلوا، يلزمنا بإلزامات معينة، لا، هو جل شأنه ربنا المالك لنا والمربي لنا والخالق لنا، ومن موقع ربوبيته جل شأنه وله الأمر والنهي فينا، ويملك من هذا الحق ما لا يملكه غيره، من هو الذي يملك حق الأمر والنهي فينا كما يملكه الله سبحانه وتعالى! هل غيره خلقنا؟ هل غيره رزقنا هل غيره ربانا؟ هل غيره أنشأنا، هل غيره تولى رعايتنا ونمانا في هذه الحياة؟ الله سبحانه وتعالى هو الذي له حق الأمر والنهي {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، وهذا كما قلنا هو الأساس الذي تبنى عليه كل التعليمات وكل التفاصيل وتضبط على أساسه مسيرة الحياة في كل تفاصيلها، {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، العبادة هي العمل بمقتضى العبودية، هي التعبير العملي عن العبودية، هي ما على العبد أن يفعله تجاه ربه، وهذه المسألة من أهم المسائل لأنها العنوان الشامل الذي يدخل تحته الدين بكله، أن لا تعبدوا إلا الله، كان الأنبياء والرسل ينادون أقوامهم ويدعونهم إلى هذه الدعوة، {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، الإنسان لن يكون إلا عبدا، الإنسان هو في حقيقته وفي جوهره عبد، يشعر بالافتقار إلى غيره، يشعر أنه بحاجة إلى من يرعاه إلى من يوجهه إلى من يغيثه، إلى من يرزقه، إلى من ينصره، إلى من يعينه في حل كثير من مشاكل هذه الحياة، إلى إلى أشياء كثيرة، فلن يكون إلا عبدا، ولكن لمن يعبد نفسه؟ هل لربه وهو الله سبحانه وتعالى الذي هو الرب الحقيقي لهذا الإنسان، أم يتوجه بالعبودية إلى عبد آخر من العبيد مثله، قد يكون ذلك العبد طاغية أو مجرما أو ضالا، منحرفا أو جمادا أو أي شيء آخر.
الانحراف في العبودية غالبا ما يكون انحرافا في الواقع العملي، ومن أسوأ شيء في واقع الإنسان أنه إن لم يعبد الله سبحانه وتعالى، ويتحرك في حياته وفي مشوار حياته على هذا الأساس فإن منتهى أمره أن يعبد من؟ أن يعبد عدوه الشيطان الرجيم، ولهذا يأتي في القرآن الكريم في نداء الله لعباده يوم القيامة للبشرية لبني آدم {أَلَمْ أَعْهَد إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَم أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين} لأن كل حالات الانحراف في العبودية في العبادة، كل حالات الانحراف في العبادة منتهاها هو العبادة للشيطان، إما أن تعبد الله وإما أن تعبد الشيطان، والحالات التي تؤثر على الإنسان في المجال العملي هي عندما يؤثر طاعة غير الله على طاعة الله، يعني يطيع غير الله في معصية الله، يتوجه في هذه الحالة بدافع الخوف من غير الله أكثر فيطيع ذلك الغير بما هو معصية لله سبحانه وتعالى، أو بدافع الرغبة فيؤثر غير الله ويعصي الله سبحانه وتعالى طاعة لذلك الغير، وهذه الحالة خطيرة جدا وهي حالة واسعة في حياة الناس، بطبيعة ارتباطاتهم بدءا من هوى النفس يمكن للإنسان أن يعبد هواه، أن يتخذ من هواه إلها، الله جل شأنه يقول {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ}، يقول في آية أخرى {أَفرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ} هوى النفس، عندما تتجه إلى هوى نفسك وتجعل منه الأساس الذي تعتمد عليه عمليا وتؤثره حتى فوق أمر الله ونهيه، تترك أمر الله وتعطله من أجل هوى نفسك، تخالف ما نهاك الله عنه، تخالف فيما نهاك الله عنه وتقترفه من أجل هوى نفسك، وتسير في الحياة على هذا الأساس، فأنت هنا اتخذت هواك إلها، ارتباطاتك في علاقاتك بالآخرين من الناس أو غيرهم عندما يكون سقفها الطاعة المطلقة حتى في معصية الله فأنت تعبدهم، أنت تعبد من تؤثر طاعته فوق الله فوق طاعة الله سبحانه وتعالى، فلهذا نحن معنيون أن نعي في وواقعنا العام كمسلمين والبشرية بشكل عام مأمورة بذلك، أن تكون في علاقاتها بغير الله سبحانه وتعالى علاقة مضبوطة تحت سقف العبودية لله سبحانه وتعالى، الآخرين عبيد، الآخرين بكلهم إنما هم عبيد مثلنا لله سبحانه وتعالى، ولذلك تكون علاقتك بالعبد الآخر من عباد الله سبحانه وتعالى علاقة العبد مع العبد، لا تطع أحدا في معصية الله أيا كان باسم زعيم، قائد، رئيس، ملك أمير، عالم، بأي صفة من الصفات، بأي عنوان من العناوين، لا يمتلك أحد الحق أن تجعل طاعته فوق طاعة الله، أن تجعل أمره فوق أمر الله، أن تجعل نهيه فوق نهي الله سبحانه وتعالى، الذي له الحق المطلق في الأمر والنهي فينا هو الله سبحانه وتعالى، والعبادة له أن نجعل أمره فوق كل أمر ونهيه فوق كل نهي، وطاعته فوق كل طاعة، وأن لا ننحرف عن هذا لأجل أي أحد، لا لهوى أنفسنا ولا لأي شخص كان تحت أي مسمى أو عنوان، وفي أي مستوى من مستويات النفوذ والزعامة في هذه الحياة.
لا يخضعنا أحد بما يصرفنا عن نهج الله تحت عنوان يقدمه لنا، عنوان منظم مشرع، مفلسف، عقيدة شريعة قانون، نظام دستور، أي عنوان كان وفيه مخالفة لمنهج الله سبحانه وتعالى، لا نقبل به بديلا عن أمر الله عن هدي الله عن نهج الله سبحانه وتعالى، نجعل كل الأشياء الأخرى تحت هذا السقف، تحت سقف العبودية لله تحت سقف طاعة الله، تحت سقف أمر الله ونهيه، وهذه مسألة مهمة.
أيضا الإنسان بنفسه في أي موقع من مواقع المسؤولية في هذه الحياة لا يفترض لنفسه الحق في الطاعة فوق طاعة الله أو في الذوبان في أمره ونهيه حتى فيما يخالف توجيهات الله سبحانه وتعالى، من يفعل ذلك ويسعى لذلك، ويطلب ذلك ويفترض من الآخرين ذلك فهو طاغوت، طاغوت متكبر، سواء باسم ملك أو أمير أو رئيس أو وزير أو مسؤول أو عسكري أو أمني أو قائد أو زعيم أو عالم ديني، أيا كان بأي صفة كان، من يفترض لنفسه الطاعة المطلقة والانقياد له فيما فيه معصية لله سبحانه وتعالى ويفرض ذلك على الناس فهو طاغوت متكبر يجب أن يكفر الناس بأمره ذلك ونهيه ذلك لأنه لا يملك هذا الحق في عباد الله، الأمر المطلق النهي المطلق الطاعة المطلقة إلا الله سبحانه وتعالى، أما الآخرون فحتى من هم في طريق الحق حتى الأنبياء وحتى الرسل وحتى أولياء الله سبحانه وتعالى سقف الطاعة لهم هو في إطار طاعة الله سبحانه وتعالى، في إطار الاتباع للحق، في إطار منهج الحق جل شأنه، ولهذا يقول الله {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} حتى النبي وهو النبي لا يفترض من الناس أن يطيعوه خارج طاعة الله فيما هو معصية لله سبحانه وتعالى لا يفكروا بذلك هم أعبد الناس لله أولياء الله بكلهم لا أحد يفترض لنفسه الطاعة في معصية الله وفي مخالفة ما يأمر به الله سبحانه وتعالى وبالتجاوز لمناهي الله وحدوده أبدا، فالذي يفترض لنفسه ذلك هو طاغوت متكبر في أي مستوى في أي موقع من مواقع المسؤولية تحت أي عنوان لا يمتلك أحد هذه الصلاحية في عباد الله.
{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} وحينها الإنسان إذا سار على هذا الأساس سينتظم مسار حياته وطريقته في الحياة منهجيته في الحياة كلها تعتمد هذا الأساس الكبير.
والإنسان حينها يذعن لأكبر حق وأعظم حق وهو حق الله ربنا سبحانه وتعالى، حق الله ربنا العظيم المالك المنعم الإنسان يتنكر عندما يعبد نفسه لغير الله جل شأنه يتنكر لله لولي نعمته العظيم الذي خلقه وفطره وأنعم عليه بكل النعم فحق الله فوق كل حق أولا وقبل كل الحقوق {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ} بعد حق الله سبحانه وتعالى يأتي الإحسان إلى الوالدين ” وبالوالدين” الوالدين الأب والأم والقران الكريم في كثير من توجيهاته وفي كثير من سوره وآياته يركز على هذا الحق ويؤكد على هذا التوجيه المهم الإحسان إلى الوالدين ينظم القران الكريم في أوامر الله وتوجيهات العلاقة في واقعنا البشري ما بيننا كبشر وأول مستوى في تنظيم هذه العلاقة يبدأ من علاقة الإنسان بالوالدين بأبيه وأمه والله سبحانه وتعالى يضبط هذه العلاقة بكلها بكل تفاصيلها من خلال هذا العنوان، الإحسان هو العنوان الذي يضبط علاقتك بوالديك في كل تفاصيلها في المعاملة في السلوك تجاههما كل الممارسات في العلاقة معهم يجب أن يضبطها هذا العنوان ، الإحسان أن تكون قائمة على الإحسان، والإحسان يبدأ من المشاعر أن تحمل تجاههما المشاعر الطيبة المشاعر الإيجابية العرفان بحقهما عليك بعظيم حقهما عليك بجميلهما إليك وهما من تعب عليك وهما من قاما بتربيتك وهما من أنت منهما أنت فرع منهما أنت جزء من هما خلقك الله منهما تبدأ بحمل هذا بالمشاعر الإيجابية التي فيها عرفان بهذا الحق وإحساس بما تربطك بهما من علاقة وأنك جزء منهما واعتراف بما سلف من حنانهما إليك من حبهما لك من شفقتهما عليك من ألمهما عليك، العاطفة التي امتلكتها الأم والعاطفة التي أمتلكها الأب تجاه ابنهما أو تجاه ابنتهما هي عاطفة كبيرة لا يتخيلهما الإنسان إلا عندما يصير هو أبا أو تصير البنت أمًا ، حينها يدرك كم كان الأب وكم كانت الأم تحمل من عاطفة جياشة من حنان من شفقة من رأفة كم عانت الأم بدءا من مرحلة الحمل بل عندما تعلق من مرحلة الوحام إلى أن يصير الأبن أو البنت كبيرا كم عانت على المستوى النفسي وعلى مستوى الجهد والمشقة التي احتاج الطفل إليها واحتاج الأبن أو البنت إليها في ظل رعايتهما فتبدا حالة الإحسان هذه بالمشاعر الإيجابية والطيبة التي فيها عرفان بهذا الحق ثم في الممارسة في التعامل في السلوك في الكلام ويكون العنوان الذي هو هذا الإحسان هو الضابط لكل تلك التصرفات والممارسات “{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ}.
نحن في مجتمعنا المسلم ومهم جدا أن يفهم هذا الجميع في التعامل مع الوالدين يعتبر هذا التوجيه الإداري من أهم التوجيهات وتعتبر هذه قيمة إنسانية عظيمة ومهمة جدا، قيمة إنسانية وخلق نبيل ورفيع ومن مكارم الأخلاق، إضافة إلى أنه أمر يدخل ضمن عبادة الله سبحانه وتعالى والالتزام بتوجيهاته وأمره وفي نفس الوقت قيمة إنسانية الإنسان الحقيقي الذي يمتلك مشاعره الإنسانية من الطبيعي أن تكون علاقته بوالديه علاقة احترام وإحسان وتقدير ومحبة، هذا شيء فطري يعني ليست مسألة صعبة كيف يفعل الإنسان حتى يكون هكذا تجاه والديه.
الإنسان في فطرته كما في الحديث عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله “جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها” فالإنسان بفطرته يحب من يحسن إليه وإحسان الوالدين إحسان عظيم إنما الإنسان يعتاد على هذا الإحسان حتى يصبح شيء طبيعي وروتيني لدى كثير من الناس فلا يقدره ولا يدرك قيمته، ولكن إذا التفت الإنسان وتذكر لا، اذا تذكر الإنسان كم تعبت والدتك عليك كم بكت كم أشفقت كم تألمت كم منحتك من حنان كم تولت رعايتك حتى في ظروف صعبة جدا أنت لا تنفعها بشيء فيها وأنت طفل صغير كم تعبت عليك في تنظيفك في رعايتك في تغذيتك في الاهتمام بك في أشياء كثيرة جدا، الوالد كذلك كم حمل الهم والرحمة والشفقة والاهتمام وأحاطك برعايته إلى أخره..
الكلام يطول حول هذا الموضوع لكن هذه قيمة إنسانية وأخلاقية وأمر عبادي يعني ضمن عبادتنا لله سبحانه وتعالى وضمن التزاماتنا الدينية والإيمانية، عاق والديه هو مرتكب لجريمة كبيرة جدا من يظلمهما ومن يسيئ إليهما يرتكب جريمة كبيرة جدا تحبط أعماله الصالحة وقضية خطيرة عليه، والحال أيضا عندما يصل بالوالدين إما بكلا الوالدين أو بأحدهما أن يكبر عندك وأن يطعن في السن وأن يصل إلى مرحلة العجز ويحتاج إلى الرعاية والمساعدة في مختلف شؤون حياته قد يصل بالبعض أن يحتاج إلى مساعده الأب أو الأم حتى في التنظيف حتى في الرعاية بهما وشبيهة برعايتك في الطفولة رعاية تحتاج إلى العناية بهما في التغذية في التنظيف في غير ذلك حتى في مثل هذه الحالة يجب أن تعاملهما باحترام وتقدير وبالقول الكريم القول الذي فيه إكرام لهما تقدير لهما احترام لهما وليس فقط لا يكفي التعامل العادي التخاطب العادي التخاطب مع الوالد مع الوالدة التعامل مع الوالد والوالدة ليس سقفه الإيماني المعاملة العادية أبدا المعاملة كما تتعامل مع أي إنسان بشكل عادي يجب أن تتميز هذه المعاملة وهذا التعامل أن يتميز بمزيد من الاحترام والتقدير والتكريم والتواضع وكما نجد في الآية {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أن تكون تجاههما رحيما ومتواضعا ومتذللا تذلل الرحمة والاحترام والتقدير، حتى في الحالات التي قد يغضب فيها الأب وينفعل أو تنفعل فيها الأم لا يواجه هذا الانفعال بانفعال مقابل. البعض من الأبناء مثلا إذا انفعلت عليه والدته أو انفعل عليه والده قد يقابل هذا الانفعال بالانفعال ويسيء إليهما وينهرهما بالكلام يزجرهما بالكلام بالصوت المرتفع أو بالجفاء والجلافة والإساءة إليهما والتجاهل لهما “يتحيمس” على الأم والأب فيعرض عنهما ويتنكر لهما ويتجهم بالعبوس إليهما لا ينبغي ذلك ينبغي الصبر، التحمل وفي نفس الوقت تأتي تعليمات للأب والأم في القرآن الكريم كيف يكونا أيضا هما تجاه أولادهما يعني ليس المطلوب أن يكون الأب أو أن تكون الأم أو أن يكون أحدهما تجاه الأولاد متجبرا وظالما ومتعسفا ومتجبرا أو يعتقد أن الأولاد أصبحوا من ممتلكاته وأن له الحق المطلق في التصرف كيف ما يشاء ويريد فيهم، لا، هم أمانة عندك وهم عبيد لله سبحانه وتعالى وليسوا عبيدا لك، فالعلاقة منظمة في القرآن الكريم من الأب والأم تجاه الأولاد وسيأتي الحديث إن شاء الله عندما إذا وصلنا وأتيحت لنا الفرصة نتحدث إن شاء الله في قصة لقمان عن كيف يكون الأب أيضا تجاه أولاده كيف يكون الوالدان تجاه أولادهما فالمعاملة مضبوطة بهذا الضابط حتى إلى درجة أن يقول: {فلا تقل لهما أفٌ}، أفٌ كلمة استقذار وتضجر لا يصدر حتى كلمة تضجر ولا كلمة استقذار عندما يكون القول والخطاب لهما القول نفسه قولا كريما، المعاملة كذلك معاملة باحترام وتقدير، يدخل في هذا التخاطب والكلام ويدخل في هذا المعاملة ويدخل في هذا أسلوب التعامل كذلك والحالة التي يكون الإنسان معهما وإذا زل الإنسان وهو صالح ومستقيم بينما في بعض الحالات قد يصدر منه زلل ضبح زيادة ما تحمل ممكن يعتذر ويرجع ويستغفر الله ويعتذر إليهما ولهذا يقول الله {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} كذلك إذا كان الأب أو الأم لا تقدر بر ولدها وإحسانه إليهما فيتعامل ما بينه وبين الله يحسب حساب ما بينه وبين الله فالله هو العالم لأن البعض أيضا من الآباء والأمهات عندهم تشدد زيادة على الأبناء يعني لا يكتفي بالبر والإحسان والتعامل الطيب يفترض تعامل أكثر بكثير أو مرهق أو يضيق أو يشدد ويكون حساسا تجاه أبسط خطأ فيغضب أشد الغضب وينفعل أشد الانفعال فالله هو العالم بالإنسان وبمدى التزامه واستقامته وما في نفسه.
نكتفي بهذا المقدار ونتحدث إن شاء الله في المحاضرات القادمة على ضوء ما ورد في بقية الآيات المباركة.
نسألُ اللهَ أن يُوفقَنا وإياكم لما يُرضيهِ عنّا، وأن يرحمَ شهدائَنا الأبرارَ، وأن يشفيَ جَرحانا، وأن يُفرِّج عن أسْرَانا، وأن ينصرَنا بنصرِه، إنه سميعُ الدعاء.