المشهد اليمني الأول/
ما يجري حاليًّا في قطاع غزة من التصعيد في مُواجهة العدوان الإسرائيلي لا يحتاج إلى الكثير من التّحليل والشّرح، الأمر ببساطة يُمكن تلخيصه في بِضعة كلمات، وهي أن أهل قِطاع غزة لا يعرفون الخوف، ولا يخشون الجيش الإسرائيلي وطائراته ودبّاباته لأنّهم رجال في زمن قلّ فيه الرجال، وشُجعان في زمن ساد فيه الجُبن والمُجاهرة بخطيئةِ التّطبيع مع دولة الاحتلال، والفُجور في التّطاول على كُل إنسانٍ مُقاوم، عربيًّا كان أو أعجميًّا.
المُقاومون المُؤمنون في قِطاع غزّة أطلقوا مئة صاروخ على المُستوطنين في الجنوب الفِلسطينيّ المُحتل، وقنَصوا جنديين إسرائيليين أصابتهما خطيرة، ويستعدّون إلى الاحتفال بشهر رمضان، شهر التضحية والفِداء بطريقتهم الخاصّة، أي الرّد على جرائم الاحتلال بلغة القوّة، ومُفرداتها سِلاح الصّاروخ الذي يُجيدون استخدامه، بطريقةٍ تُهين وتُذل كُل القُبب الحديديّة التي باتت عاجزةً أمام صواريخ أبابيل الطّاهرة المُباركة هذه.
استشهاد خمسة من شباب القِطاع، وإصابة مِئة من جرّاء الغارات الإسرائيليّة لم يمُر دون رد، وعندما تقصِف حركة “الجهاد الإسلامي” مدينة أسدود بصاروخٍ دقيقٍ، وتُطلق العنان لصافرات الإنذار ومُكبّرات الصّوت التي تُطالب المُستوطنين في البقاء في منازلهم، أو الاختباء في الملاجئ، فهذه رسالة يُدرك بنيامين نِتنياهو معانيها جيّدًا، أوّل كلماتها تقول إنّها ذكرى النكبة مُنتصف هذا الشّهر لن تمُر بهدوء أوّلًا، وأنّ “صفقة القرن” التي من المُقرّر أن يُعلنها جاريد كوشنر نهاية شهر الصّوم الفضيل سيتم التّعاطي معها بالطّريقة التي تستحق.
ماذا يستطيع نِتنياهو أن يفعل بقِطاع غزّة ومعه كل المُتواطئين العرب، تجويع مُواطنيه الذي يزيد تِعدادهم عن مِليونين من الأسود بالنّمور؟ فاليتفضّل فهم في الأساس مُحاصرون وجوعى، هل يُريد ارتكاب مجازر وجرائم حرب جديدة، أهلًا وسهلًا سيكون الرّد بالمِثل في قلب تل أبيب، وسُقوط صاروخ شمالها قبل شهرين مُجرّد “فاتح شهيّة” أو مُقبّلات.
نِتنياهو يُدرك هذه الحقيقة جيّدًا، ولهذا تسقط صواريخه في أراضٍ زراعيّةٍ أو أخرى مهجورة، وكان مُصيبًا عندما هرول إلى القاهرة طالبًا وقفًا سريعًا لإطلاق الصّواريخ في الحرب الثّالثة التي كانت أقصر الحُروب، ولم تدم أكثر من 45 ساعة، وبرّر هذه الهرولة وزير دفاعه في حينها آفيغدور ليبرمان، “بأنّ المَخفي أعظم”.
نعم المخفي أعظم، والأيّام القادمة حافِلةً بالمُفاجآت، ولكنّها لن تكون سارّةً للمُستوطنين الإسرائيليين، أمّا أسود قِطاع غزّة فليس هُناك ما يُمكن أن يخسروه.