المشهد اليمني الأول/
البداية مع تصريحات هادي المقيم في الرياض، عن “عُمق العلاقة والتعاون بين اليمن والولايات المتحدة الأميركية، في مختلف المجالات والظروف ومنها التنسيق والتعاون العسكري”. ذلك في لقاء مع قائد القيادة المركزية الأميركية الفريق أول كينث ماكنزي، والسفير الأميركي لدى اليمن ماثيو تولر، حيث الإشادة منه بمتانة العلاقات المُميِّزة بين البلدين والموقف الأميركي الداعِم لبلاده، كذلك أشاد قائد القيادة المركزية والسفير الأميركي بـ “نجاح عقد جلسات البرلمان اليمني، والذي يُعدّ إنجازاً إضافياً لتفعيل مؤسّسات الدولة”.
على الجانب الآخر “شعبنا حاضر في الساحات والميادين والجبهات منذ بداية العدوان بفاعلية وبصمود كبير وتضحيات جسيمة، فالصمود في وجه العدوان مُقارنة مع حجمه ولهذه الفترة يُعتبَر نصراً لشعبنا، وأن طول مدّة العدوان في اليمن لن يؤثّر على صمود شعبنا وثباته”. هكذا تحدَّث عبد الملك الحوثي مشيراً إلى أن “حجم الجرائم الفظيعة التي ارتكبها العدوان على اليمن كان له أثر في استفزاز شعبنا وإثارة الغضب والحميّة والعزّة فيه، وأن المنطقة بكُلها تشهد مخاضاً عسيراً وأحداثاً كبيرة مرتبطة بالتدخّل الأميركي والإسرائيلي في صناعة هذه الأحداث، فهناك تعنُّتٌ واضحٌ من قِبَل العدوان لتنفيذ اتّفاق السويد، فأميركا تستفيد من أحداث المنطقة ومن أدواتها الإقليمية”.
نعم لقد رأى زعيم “أنصار الله” أن “الأميركي يستفيد من أحداث المنطقة من أدواته الإقليمية التي وفّرت عليه الكثير من الكلفة البشرية والمادية، وأن أميركا مُستفيدة من أحداث المنطقة على المستوى الاقتصادي وتحقيق مؤامراتها وأهداف مهمة بالنسبة إليها”. هنا واضح أن الحوثي أشار إلى أن “الأميركي يرغب باستمرار الأحداث في اليمن والمنطقة ويوفّر الغطاء السياسيّ للأنظمة التي تتحرّك لتنفيذ مؤامراته”، لافتاً إلى أن “تشابُك الأهداف بين القوى الإقليمية واستغلال مشاكل موجودة بالفعل داخل الساحة اليمنية ساهم في تعقيد المشكلة أكثر فأكثر”. وعليه فقد رأى الحوثي أنه “لو نجح التحالف في تنفيذ أجندة أميركا و(إسرائيل) في اليمن لكانت طامّة على بقيّة شعوب المنطقة والخليج والعالم العربي والإسلامي”، مشيراً إلى “أن نجاحه كان سيدفعه لنقل المعركة إلى بلدان أُخْرَى في المنطقة”.
الواقع أن الحضور في المفاوضات والحوارات، ما هو إلا إقامة للحجّة وكشف للعدو وتنفيذ لادّعاءاته بأن البعض لا يريد الحل والسلام. فعند العودة لاتّفاق السويد الذي قام على أساس إعطاء دور رقابي أممي في ميناء الحديدة وتحييد الحديدة عسكرياً مع بقاء وضعها الإداري والأمني مرتبطاً بـصنعاء وفق القانون اليمني. سنجد أن البعض لم يدخل في أيّ حوار بجديّة للوصول إلى حلول مُنصِفة ومنطقية للأزمة، فكل الجولات الماضية كان الوفد الوطني يُقدِّم خلالها رؤية واضحة قائمة على أساس الشراكة والطرف الآخر كان يتعنّت دائماً. وهنا يتمّ كشف تعقيدات من جانب البعض المؤيَّد من الغرب، ذلك محاولة للتهرّب من اتّفاق السويد، وحيث أن المبعوث الأممي إلى اليمن سبق أن شهد أمام مجلس الأمن إن اليمنيين كانوا على وشك التوقيع على اتّفاق قبل حصول العدوان.
نعم.. الأميركيون والبريطانيون وسفراء دول أُخْرَى يشاركون في بعض الجولات التفاوضية عن بُعد.. لكن توجّههم هو إظهار المشكلة أنها يمنية داخلية، وأن هناك فرصة الآن لتنفيذ الخطوة الأولى في اتّفاق السويد والوصول إلى تفاهمات بمفهوم عمليات مرتبطة بالموانئ تعتمد على تنفيذ انسحاب أوّلي من التحالف من بعض المناطق. كذلك فالتحالف لا يُبالي بأسراهم لدى الحوثي، فعند تناول ملف الأسرى، وإن كان هذا الأمر إنْسَـانياً بالدرجة الأولى، وكان على الجميع أن يسعى بجهد حثيث إلى معالجته وتقديم كُــلّ العروض، لكن البعض يحاول دائماً أن يتنصّل من الاتّفاقات والصِيَغ المُتعلّقة بمسألة الأسرى، هناك من هم جاهزون في ملف الأسرى وفق كُــلّ العروض سواء أرادوا دفعة واحدة أَو بنِسَب ولكن المشكلة لدى الطرف المُتحالف مع الغرب.
تكرّر مراراً بتاريخ 18 نيسان/ أبريل 2019، خبرٌ مفادُه أن وزيرة القوات المسلّحة الفرنسية قالت إن “جمهورية فرنسا لم تبع أية أسلحة فتّاكة للسعودية والإمارات، إلَّا لأغراض الدفاع عن ذاتها”!. عليه فهي المأساة الإنْسَـانية الكارثية التي تعيشها اليمن جرّاء العدوان الوحشي الذي يقوم به التحالف العربي بحق الشعب اليمني منذُ أربع سنوات ونيّف، وبـ(أسلحةٍ أميركيةٍ وفرنسيةٍ وبريطانيةٍ وغربيةٍ) في العموم. وقد تمّ بتلك الأسلحة قتل الآلاف في اليمن؛ ناهيكم عن جرح مئات الآلاف من اليمنيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً!.
يبقى أن هذه المعلومات المنتشرة في جميع وسائل الإعلام العالمية بما فيها الفرنسية لم تصل بعد إلى مسامِع الحكومة الفرنسية؟! أَو أن العديد من الصحف الفرنسية الشهيرة تخجل من أن تنقلها لكي لا يُقال أن الفرنسيين شعباً ونُخَبَاً سياسيّة شركاء في تلك الجرائم التي ترقى إلى مستوى جرائم الحروب غير الأخلاقية؟!. رغم كُــلّ ما سبق ففي الوقت نفسه، أصدر البرلمان البريطاني أيضاً تقريراً، على العكس من ذلك، قال فيه إن صادرات الأسلحة إلى السعودية ربما كانت غير قانونية.
في النهاية يبقى أن هذه الصادرات يمكن أن تنتهك بالفعل الاتّفاقيات الدولية، مثل المعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة، التي تُحظّر نقل المعدّات العسكرية عندما تكون هناك مخاطر بحدوث انتهاكات خطيرة للقانون الإنْسَـاني الدولي أَو زعزعة الاستقرار الإقليمي. ووفقاً لتقارير المنظمة غير الحكومية “إنقاذ الطفولة”، تدعو المنظمة إلى “تعليق فوري لمبيعات الأسلحة إلى الأطراف المُتحارِبة في اليمن، حيث يتم قتل الأطفال وتشويههم من دون تمييز”. وهنا لا يبدو أن الحكومتين (الفرنسية والبريطانية) تنظران في هذه الدعوى وتستمران بخرق قانون ساهمتا في سنّه ووقّعتا عليه.
يبدو أن التحالفات والمصالح الاقتصادية أكثر قَدَاسة من القوانين الدولية وأولى من الأرواح اليمنية التي تشارك الحكومات الغربية في قتلها يومياً وتدلّ على أن الأرباح التجارية تطمس لُغة الإنْسَـانية. لتبقى سلسلة طويلة من العراقيل الغربية لعدم انتهاء الحرب على اليمن، وإن كانت مدعومة عربياً.
*نجاح عبدالله سليمان – كاتبة وإعلامية مصرية