المشهد اليمني الأول/
تشغل “صفقة القرن” وتفاصيلها التي خططها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، أصحاب القرار في الأردن وكذلك الشعب لكونها تمسهم بشكل مباشر وتؤثر على مستقبلهم وسياستهم، وفي كل يوم يصبح التحدي أكبر مع اقتراب موعد الاعلان عن بنود صفقة القرن والتي من المقرر الكشف عنها في حزيران المقبل، ولذلك تحاول الاردن تحصين نفسها ومنع تمرير هذه الصفقة أقصى ما تستطيع إلا أن السعودية تقف كالسيف في ظهر الولايات المتحدة لحماية مشاريعها في المنطقة ومنها “صفقة القرن”.
الأردن لا تريد تمرير صفقة القرن لأن بنودها المسربة تضر بمصالحها ومصالح الشعب الفلسطيني والدول المجاورة جميعها، حيث ستواجه عمان سلسلة أمور معقدة قد تشعل الداخل الأردني منها توطين اللاجئين وسحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية في القدس، وغيرها من التفاصيل التي ستكون بمثابة امتحان صعب للحكومة الأردنية التي يتم اقناعها بقبول الصفقة مقابل تحسين الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها الاردن.
اذا المملكة السعودية واسرائيل والولايات المتحدة سيستغلون نقطة ضعف الأردن ومعاناته الاقتصادية، وسيوهمونه بأن قبوله بالصفقة سيكون بمثابة الشفاء من جميع المشاكل التي تعاني منها البلاد، وسيغير واقع الاردن نحو الافضل ويلغي ديونه الخارجدية المتراكمة، إلا أن الواقع لن يكون على هذا النحو اطلاقا ويذكرنا ما يجري اليوم بالاحداث التي سبقت اتفاقية “وادي عربة” وبعدها، حيث لم تنعكس هذه الاتفاقية ايجابيا على الشعب الاردني ولم تنقذ اقتصاده بل على العكس أصبح هناك أزمتين في البلاد سياسية واقتصادية.
الأمر الأخر الذي تراهن عليه الولايات المتحدة لقبول الاردن في هذه الصفقة يتعلق بالشعب الأردني نفسه، حيث تجد واشنطن أن اقناع الحكومة الاردنية بتفاصيل الصفقة يعني اقناع الشعب، على اعتبار أن شعب المملكة للا يملك الادوات الحقيقية للمعارضة، فهو يفتقد للتنظم، إلا إن كان حكومياً، كذلك لا يوجد حواضن شعبية يعول ويعتمد عليها كمرجعية عليا لمواجهة الصفقة وآثارها، والوقوف بوجه النظام ومشروعة، كما لا يوجد أحزاب ومنظمات تستطيع مساندته والوقوف إلى جانبه.
دور المملكة في صفقة القرن
كثر الحديث عن دور السعودية في الوقوف إلى جانب واشنطن في تمرير صفقة القرن عبر الضغط على الاردن والسلطة الفلسطينية لاقناعهم بتفاصيل الصفقة مقابل اغرائهم بمجموعة من الميزات، وعدم ذكر ولي العهد السعودي أي تفصيل حول عدم تطبيع العلاقات مع اسرائيل وحديثه لمجلة “ذي أتلانتيك” الشهرية الأميركية بإنّه يعترف بحق الشعب اليهودي في “أرضه الخاصة” وبضرورة وجود دولة قوية لليهود في فلسطين، يوضح مضي ابن سلمان قدما في تنفيذ بنود الصفقة لدعم موقفه أمام العم سام، ولم يخف ولي العهد السعودي العلاقات التي تربط بين السعودية وإسرائيل، وإن كان لم يُفصّلها لكنه أيضا لم يخفها.
وذكرت جريدة “الاخبار” اللبنانية تفاصيل مثيرة حول قيام ولي العهد السعودي بتقديم اغراءات لرئيس السلطة الفلسطينية لتمرير صفقة القرن، حيث ابلغ ابن سلمان عباس في احدى اللقاءات تفاصيل “صفقة القرن”، طالباً منه قبولها والسير بها. ووفقاً للمعلومات، فإن “ابن سلمان سأل عباس ما هي ميزانية حاشيتك سنوياً، فردّ عباس لست أميراً ليكون لدي حاشية، فأوضح ابن سلمان: كم تحتاج السلطة ووزراؤها وموظفوها من مال؟”، فأجاب عباس: “مليار دولار”، فردّ ابن سلمان: “سأعطيك 10 مليارات دولار لعشر سنوات إذا وافقت على الصفقة”. إلا أن “أبو مازن” اعترض على الطرح، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى نهاية حياته السياسية.
ملك الاردن ايضا لم يرحب بتفاصيل “صفقة القرن”، حيث نقلت مصادر استخبارية إسرائيلية من أن ملك الأردن رفض بشدة “صفقة القرن”، وأبلغ نائب الرئيس الأميركي مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو والمستشارين كوشنر وجيسون غرينبلات أنه لن يتعاون أبداً مع هذه الخطة، الأمر الذي يكشف عن موقف الأردن الصلب في مواجهة “صفقة القرن”.
الوصاية على الاماكن المقدسة
تشرف المملكة الاردنية الهاشمية على ادارة “الأماكن المقدسة” في فلسطين، إلا أن ولي العهد السعودي وبتحريض اسرائيلي_امريكي يعمل على نزع الوصاية الهاشمية من المسجد الأقصى. وتُظهر التقارير المُرسلة من الممثلية الأردنية في رام الله، إلى وزارة الخارجية والمغتربين في عمّان، حجم القلق الأردني ممّا قد يصيب المملكة من تبعات “صفقة القرن”، التي ينوي الرئيس الأميركي الكشف عن بنودها في حزيران/ يونيو المقبل. التوجس الأردني مفهوم، خاصة بعد ما كشفه الإعلام الأميركي والعبري عن الضريبة الثقيلة التي ستدفعها المملكة الأردنية لجهة احتمال توطين الفلسطينيين الموجودين فوق أراضيها، وسحب الوصاية الهاشمية عن المسجد الأقصى والمقدسات في القدس منها ومنحها للمملكة السعودية، وإمكانية اقتطاع أراضٍ من حدودها الشرقية لمنحها للفلسطينيين مقابل تعويضها بأجزاء من شمال السعودية.
وقد لايستطيع الاردن مواجهة السعودية لكونها قد تضغط اقتصاديا عليها في الوقت التي تعاني فيه من ازمات اقتصادية خانقة، فضلا عن كون السعودية من أكبر المستثمرين في الأردن. أما السلطة الفلسطينية فهي لا تملك صلاحيات على المسجد الأقصى وتنازلت عنه للملك عبد الله عام 2013، لذلك الإغراءات المالية الكبيرة في ظل الانقسام والتغول الإسرائيلي والهيمنة الأميركية كفيلة بقبول الدور السعودي الذي ينظر إستراتيجيا لإيران على أنها خطر أكبر على العرب من إسرائيل. وكانت صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية قد كشفت خلال الشهر الماضي عن وساطة ومقترحات مصرية لجعل الحرم القدسي الشريف منطقة دولية، وذلك لتسهيل صفقة القرن الأميركية.
الموقف الأردني والفلسطيني في حالة ضعف وتشتت وهو تابع خاصة وأن الحكومة اليمينية الإسرائيلية جعلت الوصاية على المسجد الأقصى شكلية وتعمل حاليا على تقليص صلاحيات الأوقاف الإسلامية في القدس.