المشهد اليمني الأول/
كانت وما تزال السعودية والإمارات بوابة دخول قوى الاستكبار الدولي (أمريكا وإسرائيل) لاستعمار الأمة العربية والإسلامية، وجعلت منهما “عصا” لضرب الشعوب العربية وإركاعها بعدة وسائل قبل أن تبدأ عدوانها العسكري المباشر، الذي يسبقه أو يتزامن معه التدمير الممنهج للاقتصاد بشكل مباشر او عبر أدوات الفساد والإفساد التي تمكنها دول الاستكبار الدولي من السيطرة على مفاصل القرار السياسي في تلك البلدان، تمارس بهم قوى الاستكبار نهب الخيرات والثروات بعد بسط النفوذ والسيطرة عليها بشكل غير مباشر تحت مسميات ” الشرعية المزعومة” بعد صبغتها بصفة قانونية تحت مظلة الأمم المتحدة التي لم توجد إلا لذلك، ليكون الغزو والاحتلال عبر أدوات من الداخل، (الفار هادي وحكومة الرياض) لتنفيذ السيناريو المعد من قبل دول الاستكبار الدولي.
قدمت السعودية الإمارات أراضي وثروات الأمة العربية والإسلامية لدول الاستكبار الدولي أمريكا وإسرائيل على طبق من ذهب، كما قدم “الفار هادي وحكومة الرياض” اليمن ثروة وشعباً على طبق من ذهب، مقابل رعاية تلك الدول لمصالح هذه الثلة وتحويل بعض الأموال في أرصدتهم في البنوك الدولية ومقابل وعود يتلقونها للحفاظ مناصبهم، وضمان عدم محاسبتهم.
لم تكن تكلفة فاتورة التي تقوم بها قوى تحالف العدوان على اليمن منذ أربعة أعوام ودخول العام الخامس قاسية على اليمنيين وحدهم، فالعربية السعودية والإمارات، قائدة “التحالف الدولي بالوكالة”، باتت تعيش تراجعاً حادّاً في اقتصادها، تصنَّف الحرب اليمنية ضمن أحد أسبابه.
حجم الإنفاق السعودي والإماراتي في عدوانهما على اليمن والخسائر الكبيرة التي تلقتها السعودية والإمارات واستمرار الاستنزاف الدولي لهما مقابل الدعم المباشر والغير المباشر الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى بفصح عن حجم النهب الذي تمارسه قوى الاستكبار الدولي لخيرات وثروات شعوب المنطقة.
ففي أرقام بعيدة عن تقديرات ، قالت مجلة “فوربس” الأمريكية، بعد 6 أشهر من اندلاع العدوان على اليمن، إن تكلفة الأشهر الستة بلغت نحو 725 مليار دولار، أي إن التكلفة الشهرية تصل لـ 120 مليار دولار.
تقدير آخر جاء في دراسة نشرتها جامعة هارفارد الأمريكية، أشارت فيها إلى أن تكلفة الحرب تصل إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد.
أما صحيفة “الرياض” السعودية، فقدّرت أيضاً تكلفة تشغيل الطائرات السعودية المشاركة بالحرب بنحو 230 مليون دولار شهرياً، متضمّنة تشغيل الطائرات والذخائر المُستخدمة والاحتياطية، وثمن كافة قطع الغيار والصيانة وغيرها.
من جانبه قدّر موقع “دويتشيه فيليه” الألماني تكلفة تشغيل الطائرات السعودية المشاركة بالحرب، ويبلغ عددها 100 طائرة، بمبلغ 175 مليون دولار شهرياً.
وفي ظل هذه الأرقام التي يصعب إيجاد مقاربة بينها للتكلفة الحقيقية، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن السعودية تستعين بمرتزقة من أميركا الجنوبية وجنوب أفريقيا في الحرب التي تخوضها في اليمن، وتنفق السعودية شهريا خمسة مليارات دولار في عدوانها المستمرة على اليمن منذ ربيع 2015.
وهكذا سلمت السعودية خيرات الشعوب العربية على طبق من ذهب لدول الاستكبار الدولي في حين لا تجد الشعوب العربية ما تسد به رمقها من الجوع والفقر والمرض، بل لم تسلم من تخسير أموال وخيرات الخليج في زعزعة أمن واستقرار المنطقة العربية وإدخالها في معترك الصراع العربي العربي، في اليمن وسوريا والعراق والسودان .. الخ.. خدمة للمشروع الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة..
المنطقة العربية ومستنقع الفقر
تشير التقارير إلى أن العدوان على اليمن في الجانب الإنساني فقط قد تسبب بشكل متعمد وبمختلف الوسائل العسكرية والاقتصادية والسياسية في تراجع متوسط دخل الفرد بحوالي (68.3%) عام 2018م مقارنة بالعام 2014م، إلى جانب ارتفاع عدد العاطلين عن العمل من 1563 إلف عاطل عام 2014م بما نسبة 27% من قوة العمل الى 4290 عاطل عام 2018م وما نسبته 65% من قوة العمل وهذا ما يعني فقدان حوالي (2728)الف لإعمالهم بسبب العدوان يعولون ما يزيد عن (18)مليون نسمة، كما تسبب بخروج 2.5 مليون طالب خارج العملية التعليمية و4 مليون طفل يحتاجون إلى إي نوع من المساعدة للاستمرار في العملية التعليمية.
في حين وصل عدد النازحين بنحو 3.5 مليون نازح إضافة إلى عشرات الآلاف من العقول والكفاءات التي هاجرت الى الخارج، سعى العدوان من خلال ذلك إلى تعميق الكارثة الإنسانية في اليمن، في محاولة للضغط على صنعاء للتسليم للقرارات الدولية لدول الاستكبار الدولي أمريكا وإسرائيل لجعل اليمن تحت الوصاية الأمريكية الإسرائيلية البريطانية وهذا ما كشفت عنه الإحداث المتلاحقة خلال سنوات العدوان على اليمن.
العدوان الاقتصادي
عام 2015 قدر تقرير للأمم المتحدة حجم الأموال التي نهبها “عفاش” ما بين 32 مليار دولار وستين مليارا، ولم تكن تقارير الأمم المتحدة فقط من تحدثت عن هذا النهب، بل هناك أيضا الهيئة البريطانية “تشاتام هاوس” التي تورد أن عشر عائلات في نظام “عفاش” كانت تسيطر على أكثر من 80% من اقتصاد اليمن، وظفها وتقاسمت معه المال، منهم رجل أعمال نافذين كانوا يحظون بامتيازات استثمارية خاصة، مع إبقاء الاقتصاد اليمني تحت الوصاية السعودية الإماراتية الأمريكية وتدميرها الممنهج للاقتصاد عاماً بعد عام.
بتسلم “الفار هادي” أعاد الدولة إلى أحضان المتنفذين وسيطرتهم على الاقتصاد اليمني، ليواصل الاقتصاد الوطني تدهوره وانحصاره تحت الوصاية السعودية الإماراتية، حتى ضاق الشعب ذرعاً وخرج بثورة في الـ 21 من سبتمبر 2015م، وقطع الطريق أمام المتنفذين وأدوات الوصاية الدولية من مواصلة نهب وتدمير اليمن، لتبدأ الحرب الاقتصادية المباشرة من قبل قوى الاستكبار الدولي بانسحاب السفارات الأجنبية والشركات النفطية من اليمن والإشكالات الاقتصادية التي رافقت تلك الفترة لخلخلة الوضع الاقتصادي، ليقوم العدوان بعد بحرب عسكرية مباشرة باستهداف البنية الاقتصادية والطرق والجسور والمصانع القطاع الزراعي والسمكي والصحي والتعليمي.. الخ.
يؤكد وزير المالية في حكومة الإنقاذ الدكتور رشيد أبو لحوم، إلى أن الخسارة الفعلية المقدرة خلال الأربع سنوات من العدوان على اليمن تقدر بـ 71.5 مليار دولار، متوقعاً ان تبلغ بنهاية عام 2019م 95.9 مليار دولار.
كما توقع “أبو لحوم” استمرار الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال العشر سنوات القادمة بتكلفة تقديرية أولية تصل إلى 306 مليار دولار.
الاغتيال الاقتصادي
وفي ظل الاستهداف المباشر للاقتصاد الوطني، كان هناك استهداف من نوع اخر وبطريقة غير مباشرة للاقتصاد من قبل العدوان عبر أدواته ( الفار هادي وحكومة الرياض) وباسم الشرعية المزعومة، ليتعرض الاقتصاد لهجمة شرسة فتكت بما تبقى منه، عبر مسلسل هدم ممنهج وبوسائل قذرة لم يشهد لها التاريخ مثيل.
وعبر أدوات الفساد مارست قوى تحالف العدوان وصايتها على الشعب اليمني في مناطق الاحتلال، بعد أن أعادت مقاليد السلطة إلى أحضان المتنفذين من جديد، وجعلت منهم الأداة الحادة لاغتيال الاقتصاد اليمني وبطريقة وحشية لم يشهد لها التاريخ مثيل.
في الـ 30 من يناير 2018م كشف ما يسمى “رئيس الحكومة السابق للفار هادي” خالد محفوظ بحاح عن فساد وعبث ما يسمى بحكومة بن دغر، واستهتارها الكبير بأموال الدولة في ظل معاناة المواطنين.
وكان بحاح قد كشف في الـ 3 من أكتوبر 2017م عن نهب الشرعية المزعومة لـ 700مليون دولار و4 مليار يمني من نفط حضرموت خلال عام واحد (المخزون النفطي لميناء الضبة النفطي والذي باعته ما يسمى بحكومة بن دغر العام 2016م بقرابة 100مليار ريال يمني أي ما يقارب 700مليون دولار أمريكي).
وفي صورة واضحة عن بدء سيطرة السعودية على القرار اليمني عبر المتنفذين والفاسدين وممارسة تجويع الشعب اليمني، شمالاً وجنوباً كانت الصفقات لبيع ثروات اليمن من قبل الفار هادي وحكومة الرياض لا تتوقف، وتتابعت الفضائح وسربت وثائق عن فساد بعض من وزراء حكومة الرياض كـ صفقة فساد وزير النقل في حكومة الرياض مع بن بريك والبحسني والنوبة والقائم بأعمال محافظة شبوة تكشفها سفينة الغاز المهربة الى ميناء بير علي بشبوة في العام 2016م، وما تبعها من الصفقات التي تقاسمتها يد الفساد في المناطق المحتلة.
وأكد محفوظ بحاح أن ذلك موثق بوثائق رسمية لا تسطيع حكومة الرياض انكارها.. معتبراً ان ما يسمى بحكومة بن دغر أثبتت أكبر فساد في العالم من تكوينها.
في فبراير 2019م وبسبب الخلافات القائمة بين شركاء الشرعية المزعومة كشفت وسائل اعلام تابعة للعدوان على لسان ما يسمى بمستشار الفار هادي ورئيس اللجنة الاقتصادية المزعومة في عدن حافظ معياد، عن فساد مالي كبير اقترفه البنك عدن بقيمة 9 مليار ريال يمني، هو عبارة عن فار ق أسعار الصرف بالسوق وأسعار الشراء بالريال السعودي، خلال مدة لا تتعدى 25 يوم فقط، وهو ما اعتبره عددا من المراقبين «فضيحة مدوية» تضاف إلى فضائح الفساد التي تتوالى في المؤسسات الحكومية التابعة لحكومة الرياض، في وقت تتفاقم فيه أسعار السلع والأدوية، وتكاليف الخدمات والسكن بشكل مريع، بالتوازي مع فوضى إدارية ومحسوبية عارمة تجتاح المؤسسات الحكومية بالسفارات والبعثات والقنصليات ودوائر الابتعاث للدراسة بالخارج وما ينهب من مخصصات المرضى والجرحى بالخارج، كصورة مصغرة لما يتم في مؤسسات الحكومية بالمحافظات الخاضعة لسيطرة الاحتلال ليس فقط بالجنوب بل وفي مدينة تعز، وفي معقل حزب الإصلاح، أكبر الأحزاب المكونة لهذه الحكومة محافظة مأرب، الغنية بالنفط والغاز الذي يتصرف به الحزب عبر محافظ المحافظة المقرب منه سلطان العرادة، وأذرع مالية واقتصادية لشركات وشخصيات تجارية كبيرة محوسبة على الحزب ( الإصلاح) بالداخل والخارج.
وكشف ناشطون عن حجم الفساد في مأرب مؤكدين إلى أن ما يقارب 17 مليار شهرياً تصل إلى جيب (العرادة) تعمل شركة صرافة في مأرب على تحويلها الى ريالات سعودي ودولارات، وإرسال جزء منها إلى عمان ثم إلى قطر ثم إلى تركيا ثم تصل جزء منها إلى الخراز انتركس في دبي الشركة التي يشارك بها سلطان عرادة ومن تركيا تصل إلى يد حميد الأحمر.
وأشار ناشطون بأن الأخير، يشارك العرادة في مصنع تكلفته تصل إلى 89 مليون دولار، يرسل الخضر إلى أربعة حسابات وهمية صندوق البيت (هو حساب وهمي لسلطان عرادة) وحساب المهندس أيضا إلى عرادة، وحساب الكهرباء 540 مليار شهريا ينهبها حزب الاصلاح و60 قاطرة نفط يومياً تصل قيمتها إلى سبعة مليون و80 مقطورة غاز تصل إلى 5 مليون و500 مليون يوميا تصل إلى جيب الإصلاح وعرادة، بما معنى إنها 15 مليار في الشهر و180 مليار بالسنة..!
وعطفاً على ما ذُكِرَ من حقائق مخيفة عن مستوى الفساد والفوضى والمحسوبية التي بلغتها المؤسسات لحكومة الرياض بتلك المحافظات – برغم أن ما ذُكر سلفاً ليس أكثر من نتف صغير من كومة فساد كبيرة – فلا غرو إذاً أن تتحدث تقارير أممية صاعقة عن الوضع الإنساني المأساوي باليمن، كان أخرها التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن والذي أكد فيه أن 10 ملايين يمني يعانون من الجوع الشديد، و (7.4 ) ملايين بحاجة إلى علاج من بينهم 3.2 ملايين يحتاجون إلى علاج لسوء التغذية الحاد.
وهكذا إذا، أضحت اليمن على رأس قائمة الفساد العالمية بحسب عدد من التقارير الدولية، كما وردَ مؤخراً في تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية، الذي أشار إلى أن اليمن صار يقف في المرتبة رقم 176 من بين 180 بحسب مؤشر الفساد العالمي لعام 2018م، كما تحتل المرتبة الثالثة ضمن قائمة الدول العربية الأكثر فسادا.
كل هذا الفساد إلى جانب قيام ما يسمى بحكومة هادي بضخ حوالي (1145)مليار ريال من النقود التي قامت بطباعتها والبالغة حوالي (1720)مليار ريال، والذي تسبب إلى جانب عوامل اقتصادية اخرى بتدهور الاقتصاد اليمني وتدهور سعر الريال اليمني في اسواق الصرف.
كما كشف تقرير الأمم المتحدة اواخر يناير 2019م عن فساد هادي والشرعية المزعومة والسرقات الضخمة والتهريب لنفط مأرب ” وتحويل الأموال العامة إلى مجموعة العيسي، وهي شركة نقل للوقود، مالكها أحمد العيسي، عمد من خلالها هادي وحكومة الرياض إلى استحداث آلية استيراد أعطت الأفضلية “لدائرة أعمال صغيرة قريبة من كبار المسؤولين في حكومتهم.
لم كل هذه الأموال السالفة الذكر طريقها إلى الشعب اليمني وتحولت إلى جيوب الفاسدين في حكومة الرياض، والبنوك السعودية، لشراء اسلحة للفتك بأبناء الشعب اليمني وقتل الاطفال والنساء، وتدمير البنية التحتية والاقتصاد الوطني، واغراق الشعب اليمني في مستنقع الفقر والجهل والمرض، والوصاية الدولية…
المتاجرة بالبشر لم تكن الثروة النفطية والاقتصادية وحدها محل نهب وفساد الفار هادي وحكومة الرياض، بل وصل الحال إلى المتاجرة بأروح ابناء وشباب المحافظات الجنوبية وبيعهم للتحالف الذي زج بهم في محرقة الحرب، بعد أن قدمت لهم وعود بتحسين الوضع الاقتصادي وتسليم رواتب مغرية مقابل الانخراط في معسكرات أوهم فيها الكثير من أبناء الجنوب بانها شركات أمنية في شركات اقتصادية في السعودية ليفاجئ الكثير منهم وهم في جبهات القتال كمرتزقة تقاتل بهم السعودية في جيزان ونجران وعسير، وفي الساحل الغربي، فقتل منهم الكثير البعض منهم لم يكن قد تقاضى راتب شهر واحد، في حين بقي الكثير منهم لأشهر بدون رواتب نهبها قادة الفساد في حكومة الرياض، ليستقبل أهليهم جثثهم بعد وصولها إلى ثلاجات الموتى في عدن.
اذا….
ماذا حققت حكومة الرياض لليمن والشعب اليمني مقابل الانتكاسات في كافة المسارات الاقتصادية والاجتماعية الخ.؟.. ما مصير الأموال المنهوبة وكيف استثمرتها السعودية والأمارات في تجيش المرتزقة وحرمان الشعب اليمني من ابسط حقوقه في الحصول على راتب شهري وتوفير الخدمات من الماء والكهرباء والغاز والمشتقات النفطية، في حين يعيش الشعب اليمني الازمات تكتفي فيه حكومة الرياض بالتفرج بعد أن جعلت من نفسها بوابة عبور لأموال وثروات الشعب اليمني إلى البنوك السعودية..
وإلى متى ستسمر السعودية والامارات تضرب شعوب المنطقة وتجند مرتزقتها لحماية المراكز الاقتصادية في المحافظات المحتلة واداراتها عبر مرتزقة لها من النافذين الذين تستخدمهم السعودية والأمارات وكلاء لها باسم الشرعية المزعومة لبسط سيطرتها على اليمن، ونهب خيراتها وثرواتها، واغراق المنطقة في مستنقع الصراعات العربية العربية خدمة للمشروع الصهيوني الامريكي في المنطقة العربية.