المشهد اليمني الأول/
الرئيس الأميركي الذي يهدّد بتصفير صادرات النفط الإيرانية، يراهن على خضوع الدول المعنية بالإعفاءات الأميركية إلى املاءات ترامب وبولتون، كما يراهن على فرض تسويق النفط السعودي والاماراتي في هذه الدول لاستحواذ أميركا على عائداتها النفطية والمضي قدماً في “صفقة القرن”. لكن إذا رضخت هذه الدول إلى شريعة الغاب الأميركية على خلاف ما تشير الوقائع، فإن تحويل الصراع إلى حرب على امدادات النفط يحرق لهيبها امدادات السعودية والامارات ويطال أبعد منهما.
دول ثلاث خليجية، تعرب عن استعدادها للانخراط في حرب النفط التي يزمع ترامب شنّها ضد إيران، هي السعودية والامارات والبحرين. فالسعودية والامارات تتخيلان حسابات مشكوك بها بشأن قدرتهما على تعويض النفط الإيراني في السوق الدولية. وتتوهمان النفط سلعة تجارية يمكنهما تسويقها بضغط من ترامب في الدول الحليفة لأميركا، من دون أن تراعي هذه الدول استراتيجية تعدّد المصادر وحرصها على عدم الخضوع لإملاءات آحادية في إطار التحالف مع واشنطن. بينما تحتفي إسرائيل التي تقع حقولها لتصدير الغاز، على مرمى حجر من الضفة الشرقية للبحر المتوسط. وتتوهم هي الأخرى أن ترامب يبني “تحالف عالمي جديد” مع حلفاء أميركا في معادلة “إما أن تعمل مع إيران أو تعمل معنا” بحسب تعبير مبعوثه إلى إيران براين هوك في تصريحه لقناة سعودية ناطقة باللغة الإنكليزية.
الحسابات الأميركية ــ السعودية المشكوك بها، تتخيل قدرتهما على تعويض مليوني برميل إيراني يوميا ولا تبدو هذه الحسابات واقعية. فالانتاج السعودي من النفط بلغ 10,7 مليون برميل بزيادة 700 ألف برميل في شهر أيار/ مايو الماضي على أن يبلغ الإنتاج السعودي في شهر أيار/ مايو المقبل 11 مليون برميل بزيادة 300 ألف برميل كحد أقصى. وإلى جانب السعودية ينبغي أن يزداد الإنتاج الأميركي من 10,25 مليون برميل إلى 11 مليون برميل بحسب معهد “إينرجي إسبكتس” المتخصص باستراتيجيات النفط. وفي هذه الحسابات لا تعوّض أميركا والسعودية والامارات مليوني برميل إيراني في السوق.
على الصعيد الاستراتيجي الأهم، من الصعب أن تتخلى الدول الحليفة لأميركا عن استراتيجية تعدد مصادرها والرضوخ إلى التبعية التجارية للسعودية، وإلى التبعية الاستراتيجية لترامب في “تحالف عالمي جديد” يخوض حرباً نفطية تهدّد الأمن والاستقرار الهش في العالم. فالصين التي تعارض بشدّة “عقوبات آحادية الجانب” وفق المتحدث باسم الخارجية الصينية، ترى أن ترامب يتقصّدها في املاءاته لإحكام الهيمنة الأميركية على معادلات المنظومة الدولية. وفي حال تعرّضها لعقوبات أميركية بسبب رفض الخضوع لحرب ترامب النفطية، من المحتمل أن تضطر الصين لتحسين علاقاتها مع إيران بزيادة الاستيراد من إيران أكثر من 650 ألف برميل وتضطر أيضاً إلى تغيير المعادلات مع الذي يتخذها ترامب رأس حربة في شرقي آسيا إذا انخرطت في هذه الحرب الاستراتيجية وهي الهند واليابان وكوريا الجنوبية.
هذه الدول الثلاث المعنية بالاستقرار في معادلات شرقي آسيا الاستراتيجية، من الصعب أن تنجرّ إلى غمار حرب غير محسوبة العواقب إذا انصاعت إلى إملاءات ترامب على حساب مصالحها العليا، وفي وقت يعيش كل منها ولا سيما في الهند وكوريا الجنوبية نقمة شعبية حادة ضد التبعية لأميركا. ولهذا يعرب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن ثقته بأن مراهنات ترامب بالهروب إلى الأمام هي نتيجة اليأس ويقول في الجمعية الآسيوية في نيويورك “نؤمن بأن إيران ستواصل بيع النفط وسيستمر مرور النفط عبر مضيق هرمز”.
فضلاً عن اطمئنان إيران إلى فشل مراهنات ترامب على تصفير الصادرات الايرانية إلى دول شرقي آسيا، تمطئن إلى تركيا الرافضة لحرب ترامب على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو. فأنقرة هي أكثر حلفاء أميركا تضرراً من التصعيد ضد إيران ومن تعويم السعودية والامارات في المنطقة. ولا تركن إلى أميركا في الداخل التركي وفي سوريا والعراق. وفي حال تعرّض تركيا إلى عقوبات أميركية، قد تستغل الظرف للخروج من عنق الزجاجة بتوطيد التعاون مع روسيا والصين على الصعيد الدولي والاتجاه مع إيران إلى توطيد التعاون الإقليمي لمواجهة مغامرات السعودية والامارات في اليمن والسودان وليبيا وصولا إلى الصومال.
إيران الواثقة من فشل حرب النفط ومن فشل العقوبات عليها وعلى الدول الثمانية المشمولة بوقف الاعفاءات، ترد على خطوات التصعيد الأميركية بمثلها. فقد صنّفت القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط وأفغانستان “سنتكوم” على لائحة الإرهاب رداً على تصنيف الحرس الثوري، في إشارة إلى إمكانية الرد العسكري إذا امتطت أميركا ذريعة الإرهاب ضد الحرس أو إذا عارضته في مضيق هرمز.
لكن إيران الواثقة من فشل تهديدات ترامب، تدعو في الوقت نفسه إلى الدخول في مفاوضات جادة مع الأمم المتحدة والدول الأوروبية بشأن مضيق هرمز، وفق رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الايراني حشمت الله فلاحت بيشة الذي يؤكد أن السعودية ستكون الاقل استقراراً على مستوى العالم. وفوق كل هذه المعطيات يبقى بمتناول إيران عناصر استراتيجية قوية إذا احتاجت لاستخدامها، وفي مقدمتها إغلاق مضيق هرمز الذي تعبره 40% من الامدادات النفطية ولم تستطع السعودية الالتفاف عنه بمد أنبوب من منطقة الخراخير إلى ميناء نشطون في المهرة اليمنية وبحر العرب. ففي رده على سؤال بشأن إغلاق المضيق أكّد ظريف في نيويورك “إذا مُنعنا من استخدام الخليج لأمننا فلماذا نضمن استخدامه للآخرين”، ويرى أن الرباعي ابن زايد وابن سلمان ونتنياهو وبولتون لديهم أجندة سرية ويريدون سوق أميركا إلى كارثة عسكرية.
ما يهدد السعودية والامارات في انخراطها بالحرب النفطية ضد إيران، هو ما يهدّد ترامب بفشل مراهناته على مشاريع الناتو العربي وحلف وارسو الجديد واحتمال فشل “التحالف الدولي الجديد” في الحرب النفطية. وهي المشاريع التي تهدف إلى إطلاق صفقة القرن مع إسرائيل بدعم سعودي وإماراتي.
وليس صدفة تأجيل إعلان الصفقة إلى ما بعد شهر رمضان الذي تحتفل السعودية والامارات بنهايته. وليس صدفة إعلان الحرب النفطية على إيران قبيل إعلان الصفقة. فتولّي السعودية والامارات العمل مع ترامب ونتانياهو على مشروع صفقة عرقوبية لمصلحة إسرائيل، يعرضهما إلى مزيد من الكراهية بين الشعوب العربية. ويهددهما بسحب بساط التحريض الطائفي والعرقي ضد إيران الذي وقع به العديد من الجماعات التكفيرية والإسلامية والليبرالية. ويهدد فشل مشروع الصفقة الذي يراهن عليه ترامب لإعادة انتخابه في أميركا، بغرق المركب مع المجدّفين في السعودية والامارات.
ـــــــــــــــــــــــــ
قاسم عز الدين