المشهد اليمني الأول/

وسط الهتافات باسم “ثورة الشعب”، ظهرت شعارات هذا الأسبوع في اعتصام حاشد في الخرطوم، ترفض المعونات السعودية والإماراتية، وتدخل البلدين في الشؤون السودانية. وتعكس هذه الاحتجاجات شكوك الثوار تجاه دوافع السعودية، وحليفها الوثيق دولة الإمارات، بعد أن تعهدا معا بتقديم 3 مليارات دولار كمساعدة للحكومة العسكرية الانتقالية في السودان، التي أطاحت بالرئيس “عمر حسن البشير” الشهر الجاري، بعد 30 عاما في السلطة.

واستمرت الاحتجاجات، التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد، لتصبح الأكبر خلال العقود الأخيرة، ما وضع ضغوطا على الجيش لنقل السلطة بسرعة إلى مجلس مدني حتى يمكن إجراء الانتخابات.

الثورة المضادة

لكن الكثيرين داخل الاحتجاجات يخشون أن تستخدم الحكومات الملكية القوية في السعودية والإمارات ثروتها الهائلة لقمع الديمقراطية ودعم “الثورة المضادة”، كما تم اتهامهم بالقيام بذلك في أماكن أخرى في المنطقة.

وأعربت الحكومة الأمريكية عن دعمها للاحتجاجات، لكن أعوام العقوبات، وتكتيكات العزل الأخرى، تعني أن صوت الولايات المتحدة في السودان لن يتم سماعه غالبا. ويبقى السودان على قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب. وقد تم رفع معظم العقوبات الأمريكية عن السودان عام 2017، لكنها تركت بصمة هائلة على اقتصاد البلد الأفريقي، مع ارتفاع التضخم إلى ما يتجاوز 70% العام الماضي.

يقظة الثوار

وكان المتظاهرون السودانيون مدركين لهذا الإرث. ولعدة أشهر، ناقشوا سبل تجنب مسار مصر، حيث أدت الاحتجاجات الشعبية عام 2011، التي تلتها الانتخابات، إلى انقلاب عسكري وحكومة استبدادية مدعومة من السعودية والإمارات في نهاية المطاف، وفقا لما قاله “خالد مصطفى مدني”، وهو أستاذ مشارك للعلوم السياسية، ورئيس برنامج الدراسات الأفريقية، بجامعة “ماكجيل”.

وقال: “لقد كانوا يتوقعون تدخل السعوديين لإجهاض الديمقراطية. كان الوعي موجودا هناك بالفعل”.

ويلعب السودان أيضا دورا في العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، حيث يزود الحرب بالآلاف من جنود المشاة. ويرتبط المجلس العسكري الانتقالي في السودان ارتباطا وثيقا بهذا الجهد. فقد ترأس “برهان” تجنيد القوات التي قاتلت في اليمن، وأرسل نائبه الجنرال “محمد حمدان دجلو”، المعروف باسمه “حميدتي”، آلاف القوات من الميليشيات الواقعة تحت قيادته للمشاركة في الحرب.

ويُنظر إلى عودة “طه عثمان الحسين” مؤخرا إلى السودان، وهو مساعد سابق لـ “البشير” أمضى عدة أعوام في المنفى في السعودية، كعلامة على الارتباط الأوثق بين الرياض والمجلس العسكري السوداني.

وقال “زاك فيرتن”، وهو مستشار سابق في “باراك أوباما”: “قد تكون واشنطن هي الفاعل الوحيد الذي يمكنه التضييق على اللاعبين الدوليين والمساعدة في ضمان انتقال السلطة إلى الشعب السوداني فقط. لكنها الآن على الهامش”.

يأتي ذلك في الوقت الذي تتزايد فيه شكوك المحتجين في النوايا السعودية الإماراتية. ويعلق “المصطفى” قائلا: “طريقة تفكيرهم تتطابق مع الموقف العربي الكلاسيكي تجاه السودان؛ الذي يتمحور حول دعم القادة العسكريين، وحماية المصالح الخاصة، والنظر بعيدا عن الشعب. من خلال دعم المجلس العسكري، فهم يدعمون فقط المصالح الضيقة، وليس مصالح الشعب”.
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصدر بتصرف| ماكس بيراك – كريم فهيم – واشنطن بوست