المشهد اليمني الأول/
رغم أن الأمطار التي تتساقط على اليمن هذه الأيام تسهم في تمدّد الوباء في بلد باتت تنتشر فيه المياه الملوّثة إلا أن التحالف السعودي ــــ الإماراتي يتحمّل عبر حصاره المسؤولية الأولى عن الكوليرا كما تؤكد السلطات التي تجهد لمكافحة موجة جديدة من الوباء أودت بالمئات وأصابت عشرات الآلاف في الأسابيع الماضية..
تعيش العاصمة اليمنية صنعاء ومعها المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة الإنقاذ («أنصار الله» وحلفاؤها) منذ مطلع الشهر الجاري حالة استنفار قصوى بسبب موجة جديدة من وباء «الكوليرا» تبدو أكثر خطورة من موجة الوباء الأولى التي تصاعدت أواخر نيسان/ أبريل 2017 وتسببت بإصابة أكثر من مليون مواطن يمني بالكوليرا وأودت بحياة 2338 شخصاً في العام نفسه.
وعلى الرغم من تراجع المصابين بالوباء العام المنصرم إلى 370 ألف مصاب ووفاة أكثر من 500 شخص فإن عدد ضحايا الوباء تصاعد إلى أعلى المستويات خلال فترة وجيزة من العام الجاري. إذ مع انتهاء فصل الشتاء فقط وصل عدد المصابين إلى أكثر من 137 ألف شخص وسجّل مركز الترصّد الوبائي التابع لوزارة الصحة في صنعاء 266 حالة وفاة حتى أواخر آذار/ مارس الماضي. وأحد الضحايا كان من أشهر الأطباء المتخصصين في مكافحة الكوليرا الطبيب محمد عبد المغني الذي أصيب في مستشفى «السبعين» في صنعاء بالوباء ذاته الذي أنقذ الآلاف منه.
وزارة الصحة العامة التابعة لحكومة صنعاء أعلنت الاستنفار الأقصى لمواجهة الوباء. وفي محاولة للتخفيف من تداعيات الموجة الجديدة للوباء وحّدت وزارات التربية والتعليم والمياه والزراعة والإعلام الجهود وشكّلت غرف عمليات مشتركة للتوعية بمخاطر الوباء وسبل تفادي الإصابة به. إلا أن كل تلك الجهود لم تحُدَّ من ضحايا الوباء ومن نطاق تفشّيه إلى 21 محافظة يمنية من أصل 23 محافظة فسرعة انتقال الموجة الوبائية الجديدة تفوق قدرات المواجهة. وفي السياق نفسه سارعت السلطات المحلية في العاصمة صنعاء ومحافظات إب وريمة وعمران وذمار والحديدة إلى اتخاذ إجراءات للحدّ من الإصابات بالكوليرا ونشرت فرقاً صحية لمعرفة بؤر انتشار الكوليرا.
كما استعانت بالجهات الأمنية لملاحقة المزارعين الذين يستخدمون مياه الصرف الصحي لريّ مزارعهم، ومنعت دخول الكثير من الخضر المروية بالمياه الملوثة. كما لجأت تلك السلطات إلى خطباء المساجد ووسائل الإعلام المحلية المختلفة لتوعية الناس بطرق ووسائل الوقاية من الإصابة بالوباء. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت وزارة الصحة بالتعاون مع «منظمة الصحة العالمية» و«برنامج الغذاء العالمي» تجهيز أكثر من 400 مركز صحي لاستقبال المصابين بالكوليرا في أكثر من 147 مديرية إلا أن أعداد المصابين مع هطول الأمطار في تصاعد مستمر.
واللافت هذا العام ارتفاع عدد الأطفال المصابين بوباء الكوليرا وارتفاع نسبة الحالات الشديدة إلى 15%. ووفقاً لإحصائية رسمية صادرة عن وزارة الصحة أواخر الشهر الماضي فقد بلغ عدد الأطفال تحت سن الخامسة المصابين والمتوفين بالكوليرا خلال الأشهر الماضية من العام الجاري 25% من مجمل الحالات ومن المتوقع ارتفاع معدّل الأطفال الضحايا بالوباء نتيجة تصاعد معدلات سوء التغذية وانهيار الخدمات الأساسية والصحية بنسبة 60% جراء العدوان والحصار.
اتساع نطاق تفشي الوباء في 21 محافظة يمنية أعاد فرضية ضلوع تحالف العدوان في انتشاره إلى الواجهة. فمطلع العام الجاري فوجئ سكّان العاصمة صنعاء بقيام مجهولين بإغلاق قنوات تصريف مياه الصرف الصحي بالاسمنت في عدد من الأحياء السكنية الكثيفة، بقصد اختلاط مياه المجاري بمياه الشرب. كما تشير دراسة ميدانية أجرتها وزارة المياه في حكومة الإنقاذ في صنعاء الشهر الماضي وشملت المصابين في 8 محافظات إلى أن المياه الملوّثة تسببت في 45% من الحالات المصابة بالكوليرا و 4% بسبب الأكل، و10٪ نتيجة انتقال العدوى.
ولم يستبعد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة يوسف الحاضري ضلوع التحالف السعودي ــــ الإماراتي بصورة مباشرة في انتشار الوباء مؤكداً أن «الوزارة تجري دراسات وبحوثاً ستعلن نتائجها قريباً وستكشف ضلوع العدوان في تفشي الكوليرا». كما أشار الحاضري إلى «ارتفاع عدد ضحايا الوباء منذ مطلع العام الجاري إلى أكثر من 500 حالة وفاة وأكثر من 190 ألف حالة إصابة حتى منتصف الأسبوع الماضي» فيما بلغ العدد التراكمي للضحايا منذ نيسان/ أبريل 2017 حتى اليوم 3200 حالة وفاة. ولفت الحاضري إلى أن «التحالف استهدف البنية التحتية والقطاعات الصحية في اليمن وتعمّد استهداف أكثر من 1100 منشأة مائية، وهو ما دفع المواطن إلى البحث عن مصادر مياه بديلة عادة تكون غير آمنة».
وزارة الزراعة والري في صنعاء اتهمت «التحالف» بإعاقة جهودها في مكافحة الكوليرا وأكدت مطلع الأسبوع أن «انعدام المشتقّات النفطية الناتج من منع التحالف دخول عشر سفن نفطية إلى ميناء الحديدة، يعدّ السبب الرئيسي لتوقّف حملة المكافحة الميدانية للحشرات الناقلة لوباء الكوليرا». كما حمّلت حكومة الإنقاذ، الأممَ المتحدة المسؤولية الكاملة عن تداعيات منع «التحالف» دخول السفن المحمّلة بالوقود، والتي تحمل تصاريح دخول من الفريق الأممي في جيبوتي، إلى ميناء الحديدة وانعكاس تلك الإجراءات المخالفة للقانون الدولي على الجهود التي تبذلها السلطات في مكافحة وباء الكوليرا المتفشّي في البلاد.
(تقرير – رشيد الحداد)