المشهد اليمني الأول/
قد يكون دخول القوات السعودية إلى وادي حضرموت هو «الإنجاز» الوحيد الذي حقّقته الرياض من وراء عمليات التحشيد «البرلماني» التي قادتها خلال الأيام الماضية. تحت ستار جلسة فشلت في التوافر على النصاب القانوني، وفي ظلّ خلافات حادة ما بين الموالين لـ«التحالف»، أدخلت السعودية مدينة سيئون، رسمياً، في دائرة احتلالها.
انعقد مجلس النواب اليمني، بنسخته الموالية لـ«التحالف»، خلال اليومين الماضين، في مدينة سيئون، مركز محافظة حضرموت، من دون اكتمال النصاب القانوني. قرابة 42 عضواً برلمانياً مِمّن كان يفترض أن يشاركوا في الجلسات تخلّفوا عن الحضور، احتجاجاً على تنصل الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، من اتفاق على منح حزب «المؤتمر الشعبي العام»، صاحب الكتلة الأكبر في البرلمان، نسبة 50% من مناصب الدولة، بالإضافة إلى تبنّي المجلس مطلب رفع العقوبات عن نجل الرئيس السابق أحمد علي عبد الله صالح الموجود في الإمارات، فضلاً عن تنصيب سلطان البركاني، رئيس كتلة «المؤتمر» البرلمانية، رئيساً لمجلس النواب. لكن هادي ونائبه علي محسن الأحمر رفضا المطلبين الأولين، واكتفيا بالموافقة على ترشيح البركاني رئيساً توافقياً للبرلمان. رفض استثار نواب «المؤتمر» المقيمين في القاهرة، ودفعهم إلى الامتناع عن الحضور.
مصدر برلماني شارك في جلسة السبت الماضي أكد أن قرار عشرات النواب مقاطعة الجلسة تسبّب في حرج كبير لهادي ونائبه، وهو ما دفع الأخير إلى الطلب من أبو ظبي التدخل لدى النواب الرافضين للتراجع عن موقفهم مقابل النظر في شروطهم. وأضاف المصدر أن ذلك الأخذ والرد تسبّبا في تأخر الطائرة التي كانت تحمل 98 عضواً برلمانياً لستّ ساعات في مطار الملك خالد الدولي في الرياض، متابعاً أن النواب الموالين لصالح رفضوا الاستجابة للضغوط الممارَسة عليهم، والتي بلغت حدّ إغرائهم بمبلغ مليون ريال سعودي.
هذا التمنّع ولّد إرباكاً واضحاً في الجلسة الأولى، حيث ظهر عدد الحاضرين أقلّ مما كان متوقعاً، فيما لم تُنقل الجلسة مباشرة على الهواء. أما نجمها، سلطان البركاني، فقد استجلب لنفسه انتقادات كثيرة، بعدما عدّ نواب «المؤتمر» قبوله برئاسة المجلس تواطؤاً مع هادي. كل تلك العوامل دفعت إلى افتتاح جلسة السبت، التي انعقدت في المجمع الحكومي في سيئون، باختراق اللائحة الداخلية للمجلس خلال عملية انتخاب رئيس البرلمان وهيئته الرئاسية، إذ إن عدد الحضور لم يتجاوز 106 أعضاء، بينما يتطلب اكتمال النصاب، حتى وفق الحسابات التي تستثني الأعضاء الميتين وعددهم 26 (أصبحوا 27 بعد وفاة عضو إضافي السبت)، حضور 138 عضواً.
وبسبب مخاوف السفير السعودي، محمد آل جابر، من فشل الجلسة، فقد استبقها بالدعوة إلى تمرير المرشحين بالتزكية بدلاً من انتخابهم. وهو ما عدّه مراقبون مخالفة صريحة للمادتين 13 و14 من اللائحة الداخلية للمجلس، التي تنصّ «على انتخاب رئيس ونواب رئيس المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس، وتكون عملية الانتخاب سرية، وتجرى الانتخابات في جلسة علنية، على أن يُبدأ أولاً بالإجراءات الخاصة بالترشيح والانتخاب لرئيس المجلس، وتلي ذلك إجراءات انتخاب ثلاثة نواب للرئيس». على رغم ذلك كله، حاولت وسائل الإعلام الموالية لـ«التحالف» التسويق لنجاح الخطوة، لكنها فشلت في تغطية الفراغات التي ظهّرتها صور الجلسة، والتي تصدّرها تسعة نواب سقطت عضويتهم بسبب شغلهم الوظيفة العامة، بحسب المادة 80 من الدستور اليمني، التي تحرّم الجمع بين عضوية مجلس النواب وعضوية المجلس المحلي أو أي وظيفة عامة.
يستقبل مجلس النواب في صنعاء خلال اليومين المقبلين 24 عضواً جديداً
ومع أن السعودية عجزت عن عقد جلسة برلمانية توافر فيها الشروط الدستورية والقانونية، إلا أنها نجحت في إدخال قواتها إلى سيئون بذريعة تأمين هذا الاجتماع، متجاوزة بذلك إرادة «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي لأبو ظبي (الذي تفيد معلومات «الأخبار» بأنه عرض على ثلاثة نواب محسوبين عليه مقاطعة الجلسة)، ومكونات جنوبية أخرى كانت دعت إلى التظاهر ضد انعقاد البرلمان، على اعتبار أن الأخير إنما يمثل القوى التي قادت حرب صيف 1994 لفرض الوحدة بالقوة. وجراء خروج تلك التظاهرات، فرضت القوات السعودية إجراءات أمنية مشددة، وأغلقت مدينة سيئون من الاتجاهات كافة، كما شنّت حملة اعتقالات واسعة مساء الجمعة وصباح السبت داخل المدينة، واعتقلت العشرات من منتسبي «الانتقالي» قبل أن تفرج عنهم بعد تهديد الأخير بتفجير الأوضاع عسكرياً.
وفي تعليقه على تلك التطورات، استنكر مجلس النواب في صنعاء انعقاد ندوة للموجودين «في الخارج والمنساقين وراء دول التحالف» في سيئون، معتبراً ذلك «مخالفة للدستور»، وعاداً إياها غطاء لـ«احتلال اليمن»، و«شرعنة جرائم التحالف ومؤامراته التي تمسّ بسيادة البلد واستقلاله وسلامة أراضيه». وطالب المجلس، الاتحاد البرلماني الدولي والأمم المتحدة ومندوبها إلى اليمن، بعدم التعامل مع اجتماعات سيئون ونتائجها، باعتبارها «غير دستورية وغير قانونية وباطلة».
يشار إلى أن مجلس النواب في صنعاء سيستقبل، خلال اليومين المقبلين، 24 عضواً تم انتخابهم السبت الماضي، في انتخابات تكميلية مباشرة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله»، وهو ما يشكل عثرة جديدة أمام محاولات «التحالف» استنساخ البرلمان أو تعطيله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقرير – رشيد الحداد