المشهد اليمني الأول/
لا يكفي النازحين في محافظة حجة همُّ التشرّد بين المخيمات المُخصَّصة لإيوائهم حتى يأتي «التحالف» ويلاحقهم إلى هناك فاتحاً فصلاً جديداً من فصول المأساة الإنسانية التي يعيشها هؤلاء.
موجة نزوح جديدة هي الأكبر منذ بدء العمليات العسكرية قبل ثلاث سنوات تشهدها أطراف محافظة حجة الحدودية مع السعودية. تجدد المواجهات بين القوات الموالية لـ«التحالف» والجيش اليمني واللجان الشعبية على تخوم مديريتَي عبس وحيران قبل أسبوع دفع أكثر من 40 ألف أسرة نازحة إلى الفرار من منطقة بني حسن ومخيمَي المنجورة والبداح المحاذيين لحيران إلى مركز مديرية عبس ومديريات أخرى في نطاق المحافظة خصوصاً بعدما شنت قوات هادي مسنودة بطيران «التحالف» قصفاً مدفعياً وصاروخياً مكثفاً على محيط مخيمات النازحين والقرى المجاورة.
مصدر محلي في محافظة حجة وصف استهداف مخيمات الإيواء التي تديرها «الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية» في المحافظة بأنه «جريمة حرب متعمدة»، متهماً «التحالف» وقوات هادي بقصف المخيمات في بني حسن بصورة عشوائية بقصد «إحداث مأساة إنسانية غير مسبوقة». ولفت إلى أن «الآلاف من الأسر تعيش في العراء منذ أيام عند أطراف مدينة عبس مركز المديرية وتفتقر إلى المأكل والمشرب في ظلّ صمت أممي مخزٍ» مضيفاً أن «التدفق الجماعي للآلاف من الأسر النازحة يفوق قدرات المنظمات المحلية العاملة في المجال الإنساني حالياً».
من جهته يصف الناشط في المجال الإنساني عبد الرحمن ربيع ما يحدث في مديرية عبس بـ«الكارثة الإنسانية» مشيراً إلى أن «الآلاف من النازحين في مخيمات بني حسن غادروا عشرات القرى التابعة لهم فارّين من جحيم الموت مشياً على الأقدام لساعات وهم يحملون القليل من الأخشاب وبقايا الطعام ويتقاسم الرجال والنساء منهم معاً حمل مستلزمات الإيواء على أكتافهم». ويكشف أن «هناك المئات من الأسر النازحة من مخيمات الإيواء تقطّعت بها السبل ولا يزال حتى اليوم مصيرها مجهولاً» موضحاً أن «الوجهة الأبرز لمعظم الأسر قرى ومناطق مديريات عبس وأسلم وحيران وما جاورها في نطاق محافظة حجة».
ويقول عبد الرحمن إنه «في ظلّ غياب المجتمع الدولي عن توفير الحماية للمدنيين هناك، فالتحالف ومَن معه من قوات فشلوا في توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الضرورية للنازحين، وفشلوا في تأهيل حيران وميدي وغيرها كمساكن للمواطنين ويتعمدون تجريف الحياة هناك بصورة شبة يومية» ويتابع: «لذلك صار النازحون من حرض وحيران وميدي والمشنق والمزرق والملاحيظ ومناطق أخرى يجولون بقاع الأرض التهامية بين فينة وأخرى بحثاً عن أمان».
السلطة المحلية في محافظة حجة أدانت اعتداء «التحالف» على النازحين مُحمّلة إياه المسؤولية الكاملة عن الوضع الإنساني الكارثي الذي وصلت إليه الأوضاع في مديرية عبس، وما نتج منها من تداعيات إنسانية بحق آلاف الأسر. وحمّلت الأمم المتحدة أيضاً مسؤولية هذا الوضع ودعت «أحرار العالم إلى القيام بمسؤوليتهم في الضغط على دول التحالف لإيقاف جرائمه بحق النازحين من أبناء محافظة حجة والمحافظات الأخرى» وشددت على ضرورة توفير الاحتياجات الأساسية للنازحين وسرعة إيجاد الحلول اللازمة لتخفيف معاناتهم وحثت المنظمات الدولية على القيام بدورها في هذا المجال.
بدوره أطلق مدير مكتب حقوق الإنسان في محافظة حجة عبد الله المحمري نداء استغاثة إلى المنظمات الدولية كافة داعياً إياها إلى «سرعة التدخل لإيقاف العدوان المستمر بحق المدنيين» مطالباً بإعلان «مدينة عبس مركزاً للنازحين» على اعتبار أنها تشهد «أكبر حركة نزوح في تاريخ المحافظة»؛ إذ تضمّ مخيماتها ما يقارب «500 ألف نازح».
ولا تقتصر موجة النزوح الأخيرة على منطقة بني حسن في أطراف مديرية عبس، بل إن «الآلاف من النازحين الجدد فروا من جحيم المواجهات التي يشهدها عدد من مناطق مديرية حرض، منذ إعلان التحالف بدء حملة عسكرية واسعة هناك قبل أسبوعين» وفقاً لتأكيد مصادر عاملة في المجال الإنساني في حجة تقول المصادر إن «الآلاف من نازحي عزلة الشعاب في مديرية حرض الحدودية مِمَّن صمدوا منذ بداية العدوان غادروا منازلهم مجبرين بسبب احتدام المعارك هناك بين قوات الجيش واللجان الشعبية وقوات موالية للتحالف وهادي ونزحوا قسراً إلى أطراف مدينة عبس حيث يعيشون في ظلّ أوضاع قاسية».
وتؤكد المصادر أن موجة النزوح الجديدة التي تشهدها مديرية عبس لا تزال مستمرة وأن الآلاف من أبناء القرى الواقعة على خطوط التماس ينزحون بصورة يومية إلى مناطق متفرقة. وتضيف أن «عشرات الأسر من سكان قرية الخزنة في منطقة بني حسن نزحت إلى مديرية بني قيس في المحافظة نفسها ما اضطر السلطات المحلية إلى إخلاء إحدى المدارس وإيواء الأسر فيها».
يذكر أن تحالف العدوان عمد، على مرّ العامين الماضيين إلى استهداف مخيمات النازحين في محافظة حجة وخصوصاً منها مخيم المزرق الذي تعرّض لغارات جوية دفعت قاطنيه إلى الهروب منه باتجاه منطقة بني حسن في مديرية عبس التي حدّدتها السلطات المحلية لاحقاً منطقة إيواء للنازحين. لكن «التحالف» لحق الهاربين إلى هناك وحوّل المنطقة خلال الأيام الماضية إلى ساحة حرب مفتوحة.
(تقرير – رشيد الحداد)