المشهد اليمني الأول/
على رغم قساوة العدوان وطول مدته، تعيش صنعاء وبقية المحافظات الشمالية (تحت سيطرة حكومة الإنقاذ) في ظلّ أمن واستقرار لم يشهد لهما اليمن مثيلاً منذ عقود، بعدما كان الهدف إغراق كامل هذا البلد في الفوضى والاضطرابات، وضرب الأسس والقواعد المجتمعية والقبلية، وقبل ذلك الوحدة الوطنية.
أربع سنوات من اليقظة والجاهزية الأمنية والخطوات الاستباقية في صنعاء والمحافظات الشمالية نتج منها إفشال الآلاف من مشاريع القتل ومخططات التفجير المُعدّة للمساجد والأسواق والطرق والمؤسسات العامة والخاصة. إفشال ترافق مع إضعاف قدرة القوى التقليدية على إنشاء المحميات القبلية والاقتصادية، وصناعة المربعات الأمنية الرديفة التي كانت تتحكم بالبلاد والعباد، ويتم تحت ستارها تكديس الثروات المنهوبة من الشعب، فيما يقتصر الأمن على المظاهر الشكلية.
صنعاء، بعد 21 أيلول/ سبتمبر 2014، باتت آمنة مطمئنة؛ بفعل توفر الإرادة السياسية والقرارات القوية والمتابعة المسؤولة، وبفضل تلاحم الجبهة الداخلية. وهي ضربت، منذ ذلك التاريخ، قطيعة مع الانفلات وغياب القانون وشريعة الغاب.
لقد فرضت الأجهزة الأمنية اليمنية، خلال سنوات الحرب الأربع، نهاية للوصايات الخارجية والأمن بالتراضي والاستثمار في إرهاب «القاعدة»، بعدما شكّل التنظيم ــــ منذ عودة «الأفغان العرب» إلى بلدانهم (أكثريتهم من اليمن) بداية الألفية الثالثة ــــ أبرز ورقة للتوظيف السياسي والمالي، في إطار تقاطع المصالح مع الغرب. ولم يعد مستغرباً، والحال هذه، اختفاء قيادات «القاعدة» وعناصره، وذوبان البيئة الحاضنة لهم في المحافظات الشمالية، فيما بقي الاستثمار فيهم محصوراً في المحافظات الجنوبية، وبعض مديريات تعز.
هي، إذاً، حرب أمنية تدور في موازاة الحرب العسكرية، ويتم في خضمها تحقيق إنجازات لا تقلّ أهمية عن الإنجازات العسكرية بل هي مكمّلة لها، ولا سيما أن «التحالف» دائماً ما يعمد في أثناء العمليات العسكرية إلى تحريك الخلايا النائمة وغير النائمة، من ضمن مخططه لضرب الاستقرار وزعزعة وحدة الجبهة الداخلية، تماماً كما حصل مع بدء معركة الحديدة، حيث حرّك خلايا لتفجير الوضع من الداخل، قبل أن يتم القبض عليها وبحوزتها أجهزة اتصالات ومعدات قتال.
وفي منتصف أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، وجّهت الأجهزة الأمنية صفعة قوية لـ«التحالف»، بإسقاط خلية تجسّس جنّدتها ودرّبتها وشغّلتها الاستخبارات الإماراتية، لرصد وجمع معلومات ذات خطورة عالية عن أهداف مدنية وحكومية وأمنية. كذلك، ضُبط، في خلال الأيام القليلة الماضية، العديد من الشبكات والخلايا المدعومة من قِبَل العدوان، قبل أن يتم في نهاية الأسبوع الفائت اعتقال زعيم تنظيم «القاعدة» في محافظة تعز، المدعو أبو عبد الله المصري، وهو من أوائل مَن بايعوا «أبو بكر البغدادي»، زعيم تنظيم «داعش».
هذه العمليات وغيرها أوجزها إحصاء صدر أخيراً للإعلام الأمني، تضمّن الآتي:
إفشال 33 عملية انتحارية.
إحباط 63 عملية اغتيال.
تفكيك 1397 عبوة ناسفة.
القبض على 6828 عنصراً إجرامياً.
إنجاز 668 عملية ضبط أسلحة.
ويمثل الاستقرار الأمني الذي تعيشه المحافظات الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله»، فضيحة للمشروع الخليجي الذي لم يجلب سوى الخراب والفوضى والاغتيالات اليومية والتفجيرات والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة وتصارع الميليشيات إلى عدن والمناطق المحتلة الأخرى، وذلك ضمن مشروع تفتيت البلد والإبقاء عليه في حالة اللادولة، تمهيداً للسيطرة على مقدراته ونهب ثرواته. مع ذلك، لم تتوقف دول العدوان عن شنّ الحملات الدعائية والنفسية، مباشرة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أو من خلال أتباعها المحليين، من أجل تشويه سمعة «أنصار الله» وحلفائها، والنيل منهم، وتضخيم بعض القضايا الاجتماعية أو الجنائية التي تحصل عادة في كل الدول، ووضعها في سياق الاستهداف الممنهج الرامي إلى إضعاف المنظومة الأمنية والتشكيك فيها. صحيح أن ثمة أخطاءً لا تمانع حكومة الإنقاذ الاعتراف بها، إلا أنها تؤكد أنها عملت وتعمل على تصحيح الاختلالات في الأجهزة الأمنية بشكل متواصل، وقد حققت بفعل ذلك نجاحات وتطوراً ملحوظاً، وخصوصاً على مستوى آليات التحقيق والحصول على المعلومة.
وفي هذا الإطار، يقول وزير الإعلام، الناطق باسم حكومة الإنقاذ، ضيف الله الشامي، في حديث إلى «الأخبار»، إنه «لم يعد للوسائل الخشنة وجود، بل أصبحت معدومة إلا في حال الحرابة والاعتداء»، لافتاً إلى «الدور المحوري» الذي قام به المجتمع في «تثبيت الأمن والاستقرار»، موضحاً أن «كل مواطن أو مواطنة يمثل رجل أمن، وتم الوصول إلى ذلك من خلال التوعية المستمرة والتثقيف المتواصل»، بحيث باتت «العناصر الإجرامية وحيدة ومنكشفة لغياب الحاضنة التي كانت تمثل سابقاً عاملاً من عوامل انتشار الجريمة عبر مراكز القوى، فعندما سقطت مراكز القوى الإجرامية التي تتآمر اليوم مع المحتلين ضد البلد، شعر المواطن بالأمن والأمان، وعمل مساعداً للأمن بل رجل أمن».
ويشير كذلك إلى أنه تمت «إعادة تأهيل القوى الأمنية على أسس ومبادئ دينية ووطنية وأخلاقية، بحيث يمثل رجل الأمن عنصراً يحمل كل المؤهلات والمقومات لتنفيذ هذه المهمة الجهادية، أضف إلى ذلك التأهيل المستمر والتدريب المكثف على مواجهة الوسائل والأساليب الحديثة التي ينتهجها العدو لخلخلة الأمن وتفكيك المجتمع».
ويلفت إلى أن «تقويض الأمن والاستقرار في اليمن يمثل هدفاً استراتيجياً لدول العدوان ولا يزال، لكن الوعي المشترك لدى الشعب والجيش والأمن والحكومة والسلطة جعل العمل المشترك يمثل قوة عظمى في وجه المخطط الإجرامي».
وحول إمكانية تأثر الخطط الأمنية سلباً بالوضع الاقتصادي، يؤكد أن «رهان العدو عليه كبير جداً، لكنه في الوقت نفسه مثّل درساً إيجابياً لنا، جعلنا نعتمد على الذات بشكل كبير، ونسعى إلى البحث عن حلول مثلت قوة شعبية واقتصادية رافدة، وعملت على معالجة الاختلالات الأمنية وغيرها، التي يهدف العدو عبر الاقتصاد إلى تفعيلها، وتمكّنّا بفضل الله من التغلب والسيطرة عليها».
(تقرير – لقمان عبدالله)