المشهد اليمني الأول/

 

شهد العالم خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، الأولى والثانية، العديد من الأحداث التي أثرت في مختلف المجالات، وخاصة في المجال الاقتصادي الذي ميزته أحداث انهيار قاعدة الذهب واللجوء إلى نظام النقد الورقي الإلزامي واعتماد الدول على سياسات مالية تضخمية من أجل إعادة بناء اقتصادها المتدهور.

 

ولأن الإعمار في أعقاب النزاعات يعد موضع تركيز عام، نظراً للكوارث الطبيعية والطوارئ الإنسانية، وحاجات إعادة التأهيل اللاحقة لما دمرته النزاعات التي تؤثر في الاقتصادات النامية، اجتمع ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا و42 دولة في «بريتون وودز» في ولاية نيوهمبشير الأمريكية لتقرير النظام المالي النقدي الجديد، وكان ذلك في عام 1944.. وخلاله تم الاتفاق على إنشاء 3 منظمات هي: منظمة التجارة الدولية، البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.. وهذه المنظمات لم تجر تسميتها إلا بعد مفاوضات ماراثونية، إذ اقترحت بريطانيا أن تتم تسمية واحدة من مؤسسات النظام المالي التي عرفت لاحقاً «البنك الدولي» بـ «المؤسسة الدولية للتعمير والتنمية» أو يعطى تسمية أخرى شرط إهمال كلمة «بنك» بينما اقترحت فرنسا تسميته «المؤسسة المالية للتعمير والتنمية» وقدّمت السلفادور اقتراحاً بتسميته «هيئة الضمان والاستثمار الدولية أو الهيئة الدولية لضمان الاستثمار» وفي النهاية تم اعتماد تسمية «البنك الدولي للتعمير والتنمية» وأصبح يُعرف في الوقت الحالي اختصاراً بـ«البنك الدولي».

 

فما البنك الدولي وماذا عن تاريخه ونشأته؟

 

البنك الدولي هو إحدى الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة التي يفترض أنها تُعنى بالتنمية، مقره الرئيس في واشنطن، بدأ نشاطه بإعمار أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي شهدت تقسيم العالم اقتصادياً بين أوروبا والولايات المتحدة عن طريق البنك الدولي الذي اقتصرت رئاسته على الولايات المتحدة (يقابله صندوق النقد الدولي برئاسة أوروبية وفق اتفاق غير مكتوب).

 

بدايةً.. تعامل البنك الدولي مع قضايا الاقتصاد الكلي وإعادة جدولة الديون، ومن ثم احتلت القضايا الاجتماعية والبيئية مكان الصدارة.. وفي الوقت الذي شاع فيه استخدام مفهوم المجتمعات المدنية اتُهم البنك بأنه لا يتقيد بسياساته في بعض المشاريع البارزة.. ولمواجهة القلق بشأن نوعية العمليات التي يقوم بها البنك الدولي تم إصدار تقرير «وبنهانز» الذي اتخذت بعده خطوات تجاه الإصلاح تضمنت إنشاء لجنة تفتيش مستقلة لتقصي الادعاءات ضد البنك الدولي، لكن الانتقادات بشأنه ازدادت وبلغت ذروتها في عام 1994 في الاجتماعات السنوية التي عقدت في مدريد – في إسبانيا.

 

.. ولكي تصبح أي دولة عضواً في البنك الدولي يجب أن تنضم أولا إلى صندوق النقد الدولي، ومؤسسة التنمية الدولية، ومؤسسة التمويل الدولي، وهيئة ضمان الاستثمار المتعدد الأطراف، وتقدم كل دولة عضو في البنك من اشتراكها المحدد في رأس مال البنك ذهباً أو دولارات أمريكية بما يعادل 18% من حصتها في البنك، والبقية تظل في الدولة نفسها، ولكن البنك يستطيع الحصول عليها في أي وقت لمواجهة التزاماته.

 

ونجد أن الدول الصناعية المتقدمة (أمريكا، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) تسيطر على أكثر من ثلث من رأس مال البنك، ما يجعلها تؤثر مباشرة في قرارات البنك واستراتيجيته، وتشارك البلدان الأعضاء– على مختلف المستويات– في إدارة البنك الدولي من خلال مجلس المحافظين ومجلس المديرين التنفيذيين، ورئاسة البنك الدولي، ولجنة التنمية.. ومساعدة البنك الدولي للدول تكون إما بإقراض الدول من أمواله الخاصة، وإما بإصدار سندات قروض للاكتتاب الدولي، وعلى نحو عام، يقوم البنك بإقراض الحكومات مباشرة أو بتقديم الضمانات التي تحتاجها للاقتراض من دولة أخرى أو من السوق الدولية.

 

تعد البلدان الأعضاء في البنك الدولي مساهمة فيه، ويتم تمثيلها من خلال مجلس المحافظين، وهم من كبار واضعي السياسات في البنك الدولي، وعادة يكون المحافظون من وزراء المالية أو التنمية في البلدان الأعضاء، يجتمعون مرة واحدة في السنة خلال الاجتماعات السنوية لمجالس محافظي مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو يقوم اليوم برسم السياسات الاقتصادية العالمية.

 

ولأن المحافظين لا يجتمعون إلا مرة واحدة فقط في السنة فإنهم يفوضون 24 مديراً تنفيذياً يعملون داخل البنك الدولي للقيام بواجبات محددة، ويعين كل من أكبر خمس دول مساهمة وهي (فرنسا وألمانيا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) مديراً تنفيذياً، بينما تمثل البلدان الأعضاء الأخرى بـتسعة عشر مديراً تنفيذياً.
والمديرون التنفيذيون عادة يجتمعون مرتين كل أسبوع على الأقل للإشراف على عمل البنك الدولي، بما في ذلك اعتماد القروض والضمانات والسياسات الجديدة، والموازنة الإدارية، واستراتيجيات تقديم المساعدة، إضافة إلى قرارات الإقراض والتمويل.

 

يرأس اجتماعات مجلس المديرين التنفيذيين رئيس البنك الدولي، وقد جرت العادة أن يكون رئيس البنك الدولي من مواطني أكبر الدول المساهمة في البنك الدولي، وهي الولايات المتحدة التي تقوم بترشيح رئيس البنك، وينتخب مجلس المحافظين الرئيس فترة مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد.

 

ويفترض أن البنك الدولي يهدف إلى تشجيع استثمار رؤوس الأموال بغرض تعمير وتنمية الدول المنضمة إليه و تحتاج مساعدته في إنشاء مشروعات ضخمة عالية التكلفة، وتساعد على تنمية اقتصاد الدولة لأجل طويل الأمد من أجل مواجهة العجز الدائم في ميزان مدفوعاتها، وهذه المساعدة تكون إما بإقراض الدول من أمواله الخاصة وإما بإصدار سندات قروض للاكتتاب الدولي، إذ يقوم البنك بإقراض الحكومات مباشرة أو عبر تقديم الضمانات التي تحتاجها للاقتراض من دولة أخرى أو من السوق الدولية، لكن ممارسة البنك أعماله أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك في أنه لا يتبع قواعد الأخلاق والنزاهة في العمل وأبرز مثال على ذلك أنه كان متحيزاً في إقراضه بعض الدول وعدم إقراضه دولاً أخرى.

 

أما وظائف البنك الدولي وفقاً لما هو منصوص عليه فهي تتلخص فيمايلي: – العمل على تقديم التمويل الدولي طويل الأجل لمشاريع وبرامج التنمية وخاصة للدول النامية. – تقديم المساعدات الخاصة للدول النامية الأكثر فقراً ويقل متوسط دخل الفرد فيها عن ألف دولار سنوياً. – العمل على زيادة دور القطاع الخاص في الدول النامية بكل الوسائل الممكنة. – القيام بتقديم المشورة والمساعدة الفنية للدول الأعضاء لتحقيق الحلول لمشكلاتها المتعلقة بأهداف البنك واختيار المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية. – تطوير أدوات التحليل الخاصة بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروعات وإصلاح البنية الاقتصادية التي تعمل فيها تلك المشروعات.

.. ويبقى السؤال.. هل حقق البنك الدولي أهدافه المعلنة أم انحرف عنها بشكل خطير بسبب تسييس عمله؟