المشهد اليمني الأول/

 

حذّرنا مراراً – وما زلنا – مِنْ إقحام القبيلة والعشيرة بخضم الحرب التي تقودها السعودية باليمن لمِا لذلك من تداعيات خطيرة على الأمن والسلم الاجتماعي اليمني شمالاً وجنوباً حاضراً ومستقبلاً لا تقل خطورة عن استخدام ورقة الطائفية والمذهبية التي نشاهدها  عبر تحشيد الجماعات المتشددة وتسمينها بالمال والعتاد. فاستخدام هذه الورقة ” القبيلة” بهذه الحرب  ستفاقم من تدهور الوضع  الأمني المتدهور أصلاً وستأتي على ما تبقى مِن أثرٍ للسلم الاجتماعي وزيادة بحالة التناحر والاحتقان الداخلي باليمن وبالشمال تحديداً.

 

 

فإخراج هذه الحرب – التي ستدخل بعد أيام عامها الخامس – عن قضبانها السياسية والاقتصادية التي تسير فوقها سيعني بالضرورة انزلاق كُلي لليمن والسعودية والمنطقة برمتها الى هِــوّة صراع سحيقة لا قِبل للجميع بأهوالها، ولنا فيما يجري بالمنطقة من دمار وصراعات دموية متعددة الأوجه منذ سنوات عِــبرة لمن يود أن يفهم.

 

 

فكما نشير دوماً إلى أن استخدام هذه الورقة كأداة عسكرية أخرى من قِبلِ قوى التحالف” السعودية والإمارات” لن يحسم الحرب أو يرفع من الحالة المعنوية لمقاتلي التحالف ويشد من عضدهم، ولا يمكن حتى أن تكون ورقة ضغط على طاولة المفاوضات المرتقبة فهي ورقة هشة على أرض رخوة بقدر ما ستفتح باباً أخر مِــن أبواب الجحيم المفتوحة على مصارعها باليمن بوجه الكل بمن فيهم السعودية المرتبطة فالجيوسياسية عنصر موصل جيد لتيار الاشتعال ولن تكون” ورقة القبيلة” وسيلة عسكرية فاعلة أكثر من الوسائل العسكرية الجبارة التي بيد هذا التحالف وبيد القوى الموالية له شمالاً كالقوات العسكرية والجماعات الجهادية والجيوش الخارجية المشاركة على الأرض بهذه الحرب كالجيش السوداني والاماراتي – الى حدٍ ما – والدعم السياسي الدولي الطاغي وغيرها من الأدوات العسكرية  والوسائل السياسية الفاعلة التي بحوزة التحالف وأعوانه.

 

 

ففوق أن استخدام هذه الورقة” ورقة القبائل” يمثل مجلبة لتمزيق الممزقة وإشعال مزيداً من الحرائق بكل الأرجاء فأنها ورقة لن تدوم كثيراً على أرض المعركة أو تجدي لأصحابها نفعا وذلك لعوامل مختلفة منها ما يتعلق بطبيعة وخصوصية القبيلة ذاتها المحكومة بأعراف وضوابط تنظم العلاقة فيما بينها وتضبط فيها إيقاع خلافاتها  المدييَــن المنظور والبعيد لتفي كل قبيلة بما عليها وتنال ما لها.

 

 

وما شاهدنها باليومين الماضيين من إحجام أكبر القبائل بمحافظة حجّـة ” قبيلة حجور”وهي القبيلة التي راهن عليها التحالف بمواجهة الحركة الحوثية خلال شهرين إحجامها عن القتال بشكل جِــدي وفاعل ضد الحركة الحوثية بل  وفضّلــت كثير من عشائرها وشيوخها ورجالها القتال الى جانب الحوثيين أو في أحسن الأحوال التزامهم الحياد وهو الأمر الذي أفضى بنهاية المطاف الى مقتل كبير المسلحين المدعومين من السعودية” الشيخ” أبو مسلم الزعكري” وعدد من رجاله على يد الحركة الحوثية وتوشك على إثر ذلك  المعركة هناك أن تطوي صفحتها  سلباً مبكراً بوجه التحالف برغم الكم الهائل من الدعم العسكري من الجو والبر وبرغم العدد المهول للقتلى والجرحى الذين سقطوا بالأسابيع الماضية ناهيك عن الدعم المالي والإعلامي الكبيرين. إلّا أن ذلك كله لم يكن إلا خيبة مريرة للتحالف فتَحتْ داخله وداخل القوى الموالية له معركة اعلامية ساخنة من تبادل تهم الخيانة والخذلان ما تزال مستعرة حتى اللحظة.

 

 

وعلى ما تقدّمَ فنحن إزاء دليل آخر على أن التحالف يدفع بالجميع في الشمال نحو الهاوية دون اكتراث بالعواقب أو بأعداد الضحايا يضرب الكل بالكل قبائل بقبائل وأحزاب بأحزاب وقوى سياسية وجماعات فكرية وتشكيلات عسكرية ومليشايوية ضد بعض, ليستنزف الجميع بعضه بعضا بمن فيهم حلفاء التحالف انفسهم.. وهذا ما لا تدركه كثير من القوى السياسية والحزبية والقبيلة والتي تعتقد أن لها مكانة مميزة عند صانع القرار الخليجي قد تجنبها هذا المصير القاسي.

 

 

فالخليج والسعودية بالذات لا ترى باليمن بكل كياناته ومسمياته وشخصياته العسكرية المدنية والدينية شمالية كانت أو جنوبية إلّا عدوا تاريخياً يشكل لها – أي السعودية – تهديدا وجودياَ وأرقاً مزمنا لذاكرتها المثقّلة بالمتاعب يجب التخلص منه اليوم بعد أن لاحت لها  الفرصة من ذهب. فالتجربة العراقية مع المملكة وبعض دول الخليج ما تزال عالقة بالذهن والمخلية الخليجية ككابوس مروّع  تخشى تكراره باليمن خصوصاً وأن البلدين: العراق واليمن الواقعان جغرافيا على البوابتين الشمالية والجنوبية للخليج والسعودية تحديدا يتشابهان بما يمتلكان مِن أسباب الصعود والتطور ومن مقومات الدولة القوية المُهابة من ثروة وبشر وتاريخ وأرض وجغرافيا وبسالة مقاتل وتنوع بيئي مدهش، هذا علاوة على  الفوبيا الشيعية المسيطرة على العقل السياسي الخليجي والسعودي تحدياً منذ عقود.

 

صلاح السقلدي – رأي اليوم