السعودية وحركة الإخوان المسلمين… تأرجح العلاقة بين الوفاق والفراق

842

المشهد اليمني الأول/

 

العلاقة التي ربطت المملكة العربية السعودية وحركة الإخوان المسلمين الدولية بدأتْ بعهد الملك عبدالعزيز آلــ سعود، ومؤسس الحركة الإخوانية “حسن البناء” بعد تأسيس هذه الحركة بسنوات قليلة، ولكنها أي العلاقة ما لبثت أن تدهورت على إثر الثورة الفاشلة باليمن عام 48م ضد الإمام يحي بن حميد الدين، وهي الثورة التي قاومتها المملكة بشدة لئلا يتزعزع كيناها الملكي من الجبهة الجنوبية, ورأت فيها الأسرة المالكة تهديدا وجوديا ولشكل الحكم العائلي الوراثي فيها،وعدوى محتملة الضرر في حال كتب لها النجاح، سيما وأن تلك الثورة كانت قد عقدت العزم على إنهاء النظام الامامي الوراثي واستبداله بنظام ملكي دستوري بقيادة عبداالله بن الوزير وبمشاركة فعلية من رموز الحركة الإخوانية باليمن مثل الزبيري والنعمان الذين تأثرا كثيرا بالزعيم الروحي للحركة حسن البناءأثناء مكوثهما بمصر، قبل أن ينضم اليهما في اليمن الإخواني الجزائري الشهير فضيل الورتلاني وغيره، وبمساندة كبيرة من الحركة الإخوانية الأم في مصر .. فعلى إثر هذا الدعم الإخواني لتلك الثورة التي اُجهضت بالمهد شابَ العلاقة بين الطرفين السعودي والإخواني حالة من البرود -ولا نقول القطيعة التامة- قبل أن تستعيد وهجها من جديد في عقدَيَّ الخمسينات والستينات في ذروة عهد التحرر العربي من الاستعمار الغربي وسطوع نجم الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر الداعم الرئيس للثورات التحررية بالمنطقة العربية ومنها ثورة اليمن عام 62م بمواجهة عسكرية مباشرة مع الطرف السعودي المناوئ للثورة باليمن -للمرة الثانية-…فمثلما كانت القطيعة بينهما- أي السعودية والإخوان- بسبب اليمن فقد كان التقارب أيضاً بسبب اليمن.

 

واليوم يعيد التأريخ نفسه وعلى شكل ملهاة ومأساة كذلك… فبعد أن ظلت العلاقة بين الرياض وحزب الإصلاح” إخوان اليمن” يسودها الود –على الأقل- عبر الرموز القبلية للحزب لسنوات .حيث استندت تلك العلاقة على دعامتين أساسيتين هما: الخصومة الفكرية السعودية للمذهب الزيدي -( وهي الخصومة التي تفاقمت بعد تمكن المؤسسة الدينية السلفية من مفاصل القرار بالرياض وبعد إفراغ ثورة 62م م من مضمونها بعد الانقلاب الناعم عليها مطلع نوفمبر 67م بالإطاحة بقائد الثورة عبدالله السلال)- وحاجة المملكة لكيان حزبي قبلي ديني ذو صبغة سلفية بحجم الإصلاح الذي توغل فيه التيار السروي والسلفي بموازاة التيار الإخواني الطاغي، ليكون الحزب أحد أذرع النفوذ السعودي باليمن مقابل دعم مالي وسياسي وفكري.. سواء قبل ظهور هذا الحزب للعلن أو بعد انسلاخه عن الحزب الرئيس″ المؤتمر الشعبي العام في سبتمبر 90م .

 

وحتى إذا ما اندلعت ثورات الربيع العربي 2011م كان الفراق والقطيعة الثانية بين الطرفين السعودي والإخوان بالذات إخوان اليمن بعد أن انخرط الحزب بشكل كامل وصريح بخضم ثورات الربيع العربي وأحدث صدمة غير متوقعة للرياض، بلغت ذروة هذه الصدمة بالاحتفالات الصاخبة التي أظهرها الحزب بفوز الرئيس الإخواني بالرئاسة المصرية ” محمد مرسي..ومن حينها تمنت السعودية أن تواصل الحركة الحوثية -التي كان نجمها يسطع بقوة وبوتيرة كبيرة- تواصل زحفها باتجاه المعاقل التاريخية القبلية للإصلاح وتوجهها صوب صنعاء لتلقين الحزب -نيابة عن الرياض- درساً بليغاً، نظير تمرده على الوصاية السعودية – أو هكذا تمنت السعودية أن تمضي الأمور- بل وذهب التمني السعودي أبعد من ذلك الى حدوث صدام عسكري بين خصميها : – الحوثيين والإصلاح-ولكن هذا الأخير كان أذكى من أن يُــستدرج الى الفخ، وفوّتَ الفرصة، لتتوسع الحركة الحوثية وتنتشر الى درجة وجدت معها السعودية نفسها وقد وقعت في الحفرة التي حفرتها لغيرها. ومرة أخرى تعود الرياض أدراجها مجبرة للتحالف مع الإخوان- نسخة اليمن- وتعلن ما بات يعرف بعاصفة الحزم مطلع 2015م بوجه الحركة الحوثية الخصم الأكثر خطورة من الإخوان-وفق الحسابات السعودية-، ولكن من المؤكد أن هذا التحالف بينهما سيكون الى حين، وستعود العلاقة للتأرجح مرة أخرى بين الوفاق والفراق كما يحدث منطق التاريخ المعاصر ..!