المشهد اليمني الأول/

 

 

في الوقت الذي تغلق السلطات السعودية الأبواب كافة أمام العمالة اليمنية، تارة تحت ذريعة سعودة الأعمال وأخرى من خلال فرض المزيد من الإجراءات على الإقامة، قدمت الرياض خلال الأشهر الماضية تسهيلات غير مسبوقة لليمنيين الراغبين في أداء العمرة، وبصورة مبكرة أعلنت زيادة حصة اليمن لموسم الحج المقبل، إلا أن سياسة الانفتاح المحدودة التي اعتمدتها الرياض مؤخراً في ما يتعلق بالحج والعمرة، تندرج في إطار الحرب الاقتصادية التي يشنها «التحالف» ضد الشعب اليمني منذ أربع سنوات.

 

 

أكثر من 120 الف معتمر دخلوا الأراضي السعودية من مختلف أرجاء اليمن من دون حواجز وشروط مسبقة خلال الأشهر الماضية، عبر منفذ الوديعة الذي يستقبل المئات من المعتمرين الجدد بصورة يومية حتى الآن، ويتوقع مراقبون أن يتجاوز عدد المعتمرين اليمنيين حتى أواخر شهر رمضان المقبل الـ 200 الف معتمر، نتيجة سياسة الباب المفتوح الذي اعتمدته السلطات السعودية تجاه العمرة هذا العام.

 

 

فسلطات الحج والعمرة السعودية التي كانت تفرض شروط مجحفة على الراغبين بأداء العمرة من اليمن خلال السنوات الماضية، وتلزم وكالات الحج والعمرة بإلزام المعتمر بدفع ضمانة مالية وصلت إلى ما يقارب 2000 دولار، مقابل تمكينه من أداء العمرة، يضاف إلى أن رسوم العمرة المشروطة بمدة زمنية محددة لا تتجاوز أسبوع إلى أسبوعين، والتي كانت تفوق الـ 800 ريال، أزالت كل تلك الشروط والإجراءات وخفضت رسوم العمرة إلى 300 ريال سعودي فقط.

 

 

العمرة أداة لسحب العملة

 

تلك التسهيلات التي دفعت عشرات الآلاف من اليمنيين للاتجاه صوب الأراضي السعودية لإداء العمرة، لم تكن نتيجة صحوة ضمير من دولة تقتل الشعب اليمني ليل نهار منذ أربع سنوات بمختلف أنواع الأسلحة، وتفرض الحصار الاقتصادي والمالي على الشعب اليمني، الذي يواجه اليوم جائحة الجوع جراء تلك الحروب المتعددة التي يقودها من يصفون أنفسهم بخدم الحرمين الشريفين، بل نتيجة لخطة اقتصادية سعودية تهدف إلى سحب الكتلة المالية من العملة السعودية المكدسة في اليمن منذ اربع سنوات، يضاف إلى استعادة ما تقدمه من أموال بعملتها للقوات الموالية لها في مختلف الجبهات كرواتب ونفقات، وبتلك الخطة التي اتخذت من الجانب الديني آلية لتنفيذها  استطاعت أن تسحب من السوق اليمني ما يزيد عن 3 مليارات ريال سعودي تقريباً، ومن المتوقع أن تتجاوز عملية السحب المالي عبر المعتمرين اللذين يتسابقون لأداء العمرة والبغض منهم يستغل العمرة غير المشروطة بزيارة أقربائه من الموالين لـ«التحالف» في الرياض وجدة، إلى 5 مليارات ريال خلال شهر رمضان المقبل.

 

انتعاش خدمات العمرة

 

وعلى الرغم من أن سياسة الباب المفتوح الذي اتخذتها السلطات السعودية تجاه المعتمرين اليمنيين أدت إلى انتعاش قطاع خدمات الحج والعمرة الذي تكبد قرابة 2 مليار ريال كخسائر مباشرة خلال العامين 2015 ـ 2016م ، حيث عادات وكالات الحج والعمرة في العاصمة صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة “الإنقاذ “إلى ممارسة نشاطها في تقديم خدمات الحج والعمرة ، وتصاعدت حركة شركة النقل البري العاملة في نقل المعتمرين بين اليمن والسعودية ، إلا أن تدافع المعتمرين من مختلف المحافظات اليمنية  نحو الأراضي المقدسة أثار انتقادات عدة من قبل ناشطين في المجال الإنساني، الذين اعتبروا انفاق الأموال التي تتفق خلال أداء العمرة على الفقراء والمعدمين والجوعى في البلاد أولى في ظل الأوضاع الإنسانية القاسية التي تعيشها اليمن جراء الحرب والحصار .

 

هوامير الحج والعمرة

 

على الرغم من عدم وجود أي علاقة لوزارة الأوقاف بسياسة الباب المفتوح التي اعتمدتها السعودية للمعتمرين اليمنيين، إلا أن تلك السياسة فتحت أبواب الثراء على العشرات من مسؤولي وزارة الأوقاف في حكومة هادي، الذين تحولوا إلى مستثمرين في قطاع خدمات الحج والعمرة، فما يجنونه من تأشيرات العمرة يقدر بالملايين، وما يحصدونه من بيع تأشيرات الحج يعكس حالة الفساد في تلك الوزارة، وما ضاعف ذلك عدم وجود بيانات ولا رقابة حقيقية على إدارة قطاع الحج والعمرة، الذي عمل على رفع رسوم الحج من 5 ألاف ريال سعودي خلال العام 2016م إلى 8100 ريالاً العام قبل الماضي، وإلى 10 الاف ريال العام الماضي والحالي.

 

 

واللافت أن هناك علاقة بين ارتفاع حصة اليمن من تأشيرات الحج وارتفاع أسعار التأشيرات عاماً بعد آخر، بفعل تلاعب مسؤولي حكومة هادي بالأسعار وتقاسم فارق الأسعار التي تصل مئات الملايين من الأموال السعودية العام الجاري، وبصورة مبكرة أعلنت سلطات الحج السعودية رفع حصة اليمن من الحج في الموسم المقبل، بعدما رفعت حصة اليمن العام الماضي من 24.255 تأشيرة حاج إلى 24.755 تأشيرة، بزيادة 500 تأشيرة جديدة، بعدما كانت حصة اليمن في الحج لا تتجاوز 19.500 تأشيرة عام 2016م، استعداداً لموسم تسجيل الحجيج، الذي يبدأ خلال شهري رجب وشعبان من كل عام، إلا أن أسعار التأشيرات وفق مكاتب وكالات الحج والعمرة في صنعاء للحج، لا تزال من دون انخفاض، بعكس العمرة.

 

 

رفع حصة اليمن في موسم الحج السابق والمقبل، مثَّل غنيمة لمسؤولي وزارة الأوقاف في حكومة «الشرعية».
مدير الإعلام السابق في الوزارة يونس الشجاع، أكد لـ«العربي» أن «هوامير الفساد في وزارة الأوقاف في الرياض، وزعوا خلال موسم الحج الماضي للوكالات العاملة في تقديم تأشيرات الحج والعمرة  23.000 ألف تأشيرة، من إجمالي 24.755 تأشيرة حاج، واستولوا على تأشيرات قرابة ألفي حاج، وكل تأشيرة تباع بسعر 10 الاف ريال سعودي، ليصل قيمة التأشيرات المصادرة من قبل هوامير الحج في وزارة الأوقاف التابعة للشرعية إلى 2 مليون ريال سعودي، في موسم واحد».

 

 

وأشار إلى «وجود شراكة بين مسؤولين في قطاع الحج والعمرة في حكومة الشرعية ووكالات الحج والعمرة على حساب الحجاج اليمنيين»، كاشفاً عن «بيع مئات التأشيرات التي تمنح للجانب اليمني كتأشيرات مشرفين وإداريين للمشاركة في خدمة الحجاج، وقد بيع منها خلال الموسم الماضي 850 تأشيرة، بعدما تم منح 150 تأشيرة للمشاركين في خدمة حجاج اليمن في نفس الموسم، ومئات التأشيرات التي تمنح لكبار مسؤولي الدولة، والتي كانت العام الماضي 500 تأشيرة، وتم منح كبار موظفي حكومة الشرعية 300 تأشيرة، وتم بيع 200 تأشيرة بسعر 10 ألاف ريال سعودي لكل تأشيرة».

 

 

(تقرير – رشيد الحداد)

مصدرالعربي