المشهد اليمني الأول/
ستنتهي الجولة الثانية من المحادثات التي تجريها الأمم المتحدة في العاصمة الأردنية عمان، بين طرفي الصراع اليمنيين حول تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى، غير أن معاناة الأسرى وأهاليهم من الطرفين لن تنتهي، فالملف الإنساني أصبح اليوم ملفاً سياسياً كغيره من الملفات التي أعلنت الأمم المتحدة في ختام مشاورات ستوكهولم الاتفاق على حلها، ووضعت أطراً تنفيذية لإسقاط تلك الاتفاقات على أرض الواقع.
المحادثات الأخيرة تجري بعيداً عن اتفاقات السويد، وتخضع لحسابات سياسية وليس إنسانية، وتحديداً ملف الأسرى، الذي خرج عن قاعدة «إفراج الكل عن الكل» والتي اتفق عليها الجانبين اليمنيين، وأصبح «التحالف» يجر تلك الاتفاقات من التنفيذ إلى التفاوض مجدداً، على آلية تنفيذ تتواءم مع حسابات الرياض وأبوظبي، وتضع أسرى الدولتين في المقدمة .
لا جديد بشأن تنفيذ اتفاق الأسرى، حتى وإن أعلنت الأمم المتحدة كعادتها التقدم في هذا الملف، كما سبق أن أعلنت في ختام الجولة الأولى من المحادثات التي استضافتها عمَّان الشهر الماضي، والمرواحة قائمة ما لم تتمكن من الضغط على دول «التحالف» للإلتزام وتنفيذ الاتفاق.
فالرياض وأبوظبي حتى الآن تمضيان في اتجاه مضاد للاتفاق الإنساني، وتتجهان نحو إفشاله ، كون «التحالف» صاحب القرار الأول في الحرب والحصار وتداعياتهما من أسرى ومخفيين قسرياً، بل أن الرياض استقبلت العشرات من المعتقلين والأسرى من المحسوبين على «أنصار الله»، الذين طلبت نقلهم من سجون ومعتقلات مدينة مأرب لاستغلالهم كورقة ضغط للإفراج عن أسراها، وهو نفس الأسلوب الذي دأبت عليه الإمارات، وقد نقلت المئات من الأسرى والمعتقلين المحسوبين على «أنصار الله» من المحافظات الجنوبية إلى سجون داخل الإمارات، ومعتقلات أخرى في جزيرة عصب الارتيرية التي تعد قاعدة عسكرية إماراتية.
وبرغم انكشاف الأمر، إلا ان الرياض وأبوظبي تحاولان إخفائه، وترفضان التعاطي مع اتفاق السويد حول الأسرى، وهو ما أكدته كشوفات الأسرى والإفادات المقدمة من الطرف الآخر، ممثلي حكومة «الشرعية» في المحادثات .
فالكشوفات التي قدمت بأسماء الأسرى من الطرف الآخر لم تشمل كل الأسرى والمعتقلين والمخفيين، بل اقتصرت على أسرى يخضعون لبعض المعتقلات الخاضعة لحزب «الإصلاح» في محافظتي مأرب والجوف وكذلك تعز، وحتى اليوم لم تسمح أبوظبي لحكومة «الشرعية» بالوصول إلى السجون الخاضعة لسيطرتها فعلياً، أو حتى تزود تلك الحكومة بأسماء الأسرى والمعتقلين لديها.
أسرى الجنوب
ما كشفته الفترة الماضية من عمر الإعلان عن توصل الطرفين لاتفاق تبادل للأسرى، يؤكد أن ابوظبي والرياض لا تضعان اي اعتبارات للأسرى من أبناء الجنوب. فالرياض تجاهلت المئات من الأسرى الجنوبيين الذين وقعوا في الأسر أثناء مشاركتهم في جبهات ما وراء الحدود ودفاعهم عن الأراضي السعودية؛ وبالمثل تجاهلت أبوظبي المئات من أسرى الجنوب في معارك الساحل الغربي، ولم تقدم أي تنازلات مقابل الإفراج عنهم.
الإمارات لم تكتف بذلك فحسب بل فرضت عقاباً جماعياً على الأسرى الجنوبيين في سجون صنعاء منذ أكتوبر 2016، إذ أفشلت أكبر صفقة لتبادل الأسرى أبرمت بين «المقاومة الجنوبية» حينذاك مع «أنصار الله»، وأوقفت عملية التبادل مستخدمة القوة في منطقة الحبيلين في محافظة لحج، مهددة بقصف مواكب الأسرى لدى الطرفين بالطائرات، ومنذ ذلك الحين وأبوظبي تتحكم بملف أسرى الجنوب. واتضح أخيراً أن السبب الذي دفع الإمارات إلى حرمان المئات من الجنوبيين من الحرية، فهي أرادت استخدام ملف الاسرى في الجنوب وبعض المناطق الشمالية كورقة في يدها.
فأبو ظبي لم تكن تهدف ولم تفكر بالقيام بصفقة تبادل أسرى بين الطرفين وإطلاق سراح الاسرى الجنوبيين، لكنها أبقت عليهم وأسرى «أنصار الله» معهم كمجرد رهائن، وورقة ضغط لكي تفرج عن العشرات من المعتقلين الإماراتيين في سجون «انصار الله»، والذين يقال إن معظمهم سقطوا في الأسر «خلال المعارك التي تدور مع الحوثيين منذ أكثر من عامين في الساحل الغربي».
لا شك وأن محاولات الإمارات خلال الأيام الماضية الافراج عن أسراها فقط من دون أسرى مقاتليها الجنوبيين، تعد رسالة لكل جنوبي يقاتل مع أبو ظبي، ومفادها أن لا قيمة ولا وزن لهم لدى الإمارات، التي تقف حجرة عثرة أمام أي اتفاق ينهي معاناة أهالي أسرى الجنوب.
لا تجزئة لملف الأسرى
بدا الأمر واضحاَ للكثير من اليمنيين بأن معاناة الأسرى كيمنيين من الطرفين لا تعني «التحالف»، حتى أولئك الذين أسروا وهم في صف الدفاع عن الأراضي السعودية أو الذين أسروا وهم ينفذون أجندة أولاد زايد في الساحل الغربي، فـ«التحالف» من خلال تعامله مع ملف الأسرى أكد أنه لا يرى سوى أسراه من دون غيرهم . ولذلك فإن «أنصار الله» ربطت الإفراج عن الأسرى السعوديين والإماراتيين بالإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين اليمنيين.
وبرغم تقديم «وفد صنعاء» في «لجنة الاسرى» مبادرة للإفراج عن دفعات محددة بنسب محددة من إجمالي الأسرى، وهو ما اعتبره مراقبون بداية لتجزئة الملف، إلا أن مصدراً في «أنصار الله» أكد أن «الأسرى السعوديين والإماراتيين لا يمكن التعاطي حولهم بعيداً عن قاعدة الكل مقابل الكل، لأن الرياض وأبوظبي صاحبتا القرار على حكومة الشرعية، وفي أوساط القوات التي تقاتل مع الإمارات في الساحل الغربي».
(تقرير – رشيد الحداد)