المشهد اليمني الأول/
أثار طلب البرلمان اليمني في صنعاء الموجه لـ«اللجنة العليا للانتخابات» الخميس الماضي، القيام بالترتيبات اللازمة لإجراء انتخابات تكميلية لملء الدوائر الشاغرة بسبب الوفاة، ردة فعل موازية من قبل هادي المقيم في الرياض منذ 4 سنوات.
طلب برلمان صنعاء انتخاب ما يزيد عن 25 عضواً برلمانياً بديلاً لأعضاء توفوا خلال السنوات الماضية، وضع هادي وحكومته وخطة «التحالف» بعقد جلسة برلمانية مؤيدة له في عدن أمام مواجهة حتمية، ما يعني أن حدة الصراع على البرلمان بين صنعاء والرياض اتخذت منحى تصاعدياً.
فالرياض التي استضافت العشرات من أعضاء البرلمان لأكثر من مرة، وعملت على استقطاب عدد من أعضاء البرلمان مستخدمة المال كأداة إغراء للبرلمانيين اليمنيين خلال السنوات الأربع الماضية من عمر الحرب، فشلت في عقد جلسة برلمانية في عدن لتأييد تدخلها العسكري من جانب، ومنحها صك غفران من جرائمها ضد المدنيين العزل بإجماع برلماني، والموافقة على اتفاق غير معلن يتيح للرياض التواجد العسكري في سقطرى والمهرة من جانب آخر، غير أن المساعي كلها لم يكتب لها النجاح حتى اليوم، بسبب الانقسام الحاد في أوساط البرلمانيين الموالين لدول «التحالف» (الإمارات ـ والسعودية) من جهة، والصراع المحتدم بين البرلمانيين نفسهم على رئاسة البرلمان.
ومع تصاعد الترتيبات والاجتماعات في الرياض، التي تهدف لعقد جلسة في عدن للبرلمان اليمني، وجَّه رئيس مجلس النواب بصنعاء يحيى على الراعي، طلباً برلماني لـ«اللجنة العليا للانتخابات» بسرعة الإعداد لانتخابات برلمانية تكميلية، وفيما لم تتأخر اللجنة في بدء الإعداد والتحضير، اضطر هادي، أمس الأول، إلى إصدار قرار انفعالي قضى بنقل «لجنة الانتخابات» إلى مدينة عدن، ووجَّه حكومة «الشرعية» بتوفير «كافة التسهيلات المالية والإدارية لها».
كما اعتبر هادي -كالعادة في قراراته الإنفعالية- كافة القرارات والتنقلات التي أجرتها حركة «أنصار الله» في اللجنة خلال الفترة الماضية لاغية، ووجه بالتحقيق مع القضاة الذين قبلوا العمل في اللجنة بقرارات «أنصار الله»، فضلاً عن تكليف النائب العام بإجراء تحقيق جنائي مع من أصدر تلك القرارات المنعدمة، محاولاً قطع الطريق عن خطوة برلمان صنعاء لإجراء الانتخابات.
تحت الإقامة الجبرية
مجلس النواب بصنعاء، دعا أعضاء البرلمان المتواجدين في الخارج إلى «تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الشخصية»، وقد اعتبر مؤخراً «الترتيبات التي تجريها الرياض لعقد جلسة برلمانية في عدن، مؤامرة مفضوحة ومحاولة لاستنساخ جلسات لمجلس النواب خارج الوطن، أو في مناطق تقع تحت الاحتلال، في إطار التآمر على مجلس النواب والوطن».
واتهم رئيس مجلس النواب بصنعاء الشيخ يحيى على الرعي «التحالف باستدعاء عدد من البرلمانين من عواصم دول عربية وأجنبية إلى الرياض، والقيام بحجز جوازات عدد من البرلمانيين الذين تم دعوتهم إلى الرياض وإبقائهم تحت الإقامة الجبرية فيها ».
وسبق للسعودية أن استدعت قرابة 80 برلماني إلى أراضيها مطلع العام الماضي، وفيما لم يكتمل النصاب القانوني لعقد جلسة برلمانية في عدن، فقد كان بارزاً رفض «مكونات الحراك الجنوبي» أي اجتماعات لبرلمان «دولة الاحتلال»، كما يصفه «المجلس الانتقالي الجنوبي»، كون «عقد جلسة لبرلمان دولة الوحدة في مدينة عدن تحدياً للإرادة الجنوبية وإهانة بالغة لدماء شهداء الجنوب».
مصادر مقربة من حكومة هادي أكدت أن السعودية منحت العشرات من البرلمانيين العام الماضي مبالغ مالية ضخمة، تصل إلى 200 ألف ريال لكل عضو، مقدمة من ولي العهد محمد بن سلمان، الذي ألغى هو الآخر اجتماعاً مع البرلمانيين المدعوين بعدما أُبلغ بعدم اكتمال النصاب القانوني.
وأشارت المصادر إلى أن الرياض «استخدمت أجهزة تتبع لمعرفة تحركات البرلمانيين الذين حضروا العام المنصرم، ووجهت سفيرها باليمن بالعمل مع القيادات اليمنية الموالية للتحالف باستقطاب المزيد من أعضاء البرلمان اليمني لإكمال النصاب القانوني».
صراع على الرئاسة
الشهر الماضي تأجلت جلسة البرلمان المزمع عقدها في مدينة عدن، بسبب تصاعد الصراع بين القيادي في حزب «المؤتمر» ورئيس كتلته في البرلمان سلطان البركاني، مع هادي، خلال اللقاء التشاوري الذي عقده الأخير مع أعضاء البرلمان في الرياض الشهر الماضي لمناقشة اختيار رئيس توافقي للمجلس، وذلك بعدما حاول هادي تصعيد محمد على الشدادي المقرب منه رئيساً للبرلمان.
ووفقاً لمصادر مقربة من حكومة هادي، فقد أشارت إلى أن «مقترحاً آخراً حاول التوفيق بين الطرفين، وقضى باختيار عضو البرلمان عبدالعزيز جباري رئيساً لجلسة البرلمان التي من المزمع عقدها في عدن للخروج من الأزمة المتصاعدة».
ردة فعل صنعاء
نائب رئيس البرلمان اليمني عبد السلام هشول، أكد في تصريح صحافي أمس، أن «الدستور اليمني نص على عقد جلسات مجلس النواب في العاصمة صنعاء، إلا في حال ظروف قاهرة تمنع عقد جلسات المجلس في صنعاء»، مشيراً إلى أن «عقد جلسات المجلس خارج العاصمة منفي لأن المجلس يمارس صلاحياته منذ 2003 في صنعاء، بالإضافة أن الدستور ينص على دعوة من الرئيس مع موافقة مجلس النواب لعقد المجلس خارج العاصمة في حالة الظروف القاهرة ».
واعتبر هشول أن «قرارات المجلس في حال انعقاده خارج صنعاء قرارات عدمية ولا أساس لها من الصحة، لأنه عقد خارج صنعاء ومجلس صنعاء هو المجلس المنتخب الشرعي، كما نصحت انتخابات اللائحة في هيئة مجلس النواب على انتخاب هيئة الرئاسة كل سنتين، وأي قرارات يبنى عليها في هكذا مجلس (عدن) لا صحة لهاـ لأن السعودية والامارات تريد أن تمرر مشاريعها من خلال هذا المجلس».
واتهم نائب رئيس البرلمان «السعودية والامارات باستخدام البرلمان كأداة لشرعنة سيطرتهما على حضرموت والمهرة، بالإضافة الى شرعنة عدوانهما بعد أربع سنوات من القتل والدمار، وغزوهما للجمهورية اليمنية»، مشيراً إلى أنهما «تريدان التشريع في الجنوب الذي لن نفرط بشبر منه، كما يهدف تحالف العدوان الى السيطرة على الثروات البكر في اليمن واستباحة دماء اليمنيين وأموالهم».
وأكد هشول إلى أن «دعوة البرلمان لإجراء انتخابات في صنعاء لملء الشواغر في المجلس دعوة دستورية نص عليها الدستور، وحدد لملء الشواغر في مجلس النواب وإعلان اللجنة العليا الى إجراء انتخابات لسد الشواغر خلال مدة 60 يوم»، مضيفاً «لذلك قام مجلس النواب بصنعاء بتقديم لائحة لملء الشواغر بـ 26 مقعداً منذ 2016، نظراً لوفاة الزملاء النواب بسبب قصف العدوان، ومنذ تلك الفترة حتى الآن توفي أيضاً 7 نواب، وتمت مطالبتنا من جميع الدوائر الشاغرة بأنه لا بد من إتاحة الفرصة لملء الشواغر ».
استدراج وتصادم
مراقبون رأوا أن قرار هادي بنقل «لجنة الانتخابات» من صنعاء إلى عدن، «لم يستند إلى الدستور اليمني وإنما جاء في إطار المناكفات والمماحكات السياسية فقط، حيث يحدد القانون مقر اللجنة الرئيسي في صنعاء، ونقلها إلى عدن مقيداً بتعديل القانون وليس محكوماً بمزاح صاحب الفخامة الوهمية أو في صراعاته مع أنصار الله».
يضاف إلى أن «القرار القاضي بنقل اللجنة العليا للانتخابات استدرج حكومة هادي إلى مربع المواجهة الحقيقية مع أبناء الجنوب، الذين يرفضون نقل اللجنة إلى عدن التي يعتبروها عاصمة دولة الجنوب، وقد يمتد الصراع حتى عقد البرلمان المنشق جلسة برلمانية في عدن، وهو ما قد يصطدم برفض الجنوبيين».
(تقرير – رشيد الحداد)