كتب/ زكريا الشرعبي: ما لا تفعله الوحوش
تمر علينا بعد بضعة أيام الذكرى الأولى للمجزرة الوحشية التي ارتكبها مرتزقة العدوان بحق آل الرميمة في تعز. إلى الآن ومنذ عام إلا بضعة جراح لم نستوعب ماحدث لتلك الأسرة لا لأن حقيقة كيف وماذا لم تصل إلينا ولا لأنا لانريد أن نستوعب .
ولكن لأن ماحدث لتلك الأسرة لا يمكن أن يأتي من بشر إننا عاجزون عن تصور أن آدميا ،أي آدمي يستطيع أن يوجه بندقيته صوب امراءة عمرها ثمانية وثمانين سنة ومعاناة. أو أن يقتل طفلة لم تبلغ الثاني عشر حلما من عمرها .
بأي ذنب أبيد آل الرميمة ؟ لم يسأل أحدٌ هذا السؤال ولو تلافياً لتكرار ماحدث أو حتى تضامنا مع تلك الجدة الثمانينة العمر التي قتلت بعد أن قتل ابنها أمام عينها أو مع ذلك العجوز الذي سحلت جثته ومُنع أهله من دفنه. ونحن نعيش ذكرى تلك المأساة نعيش مأساة جديدة أو بالأحرى نهوي في قعر صدمة جديدة ،وجرائم إبادة مماثلة.
لقد حاصر مرتزقة العدوان بيت الرميمة العام الماضي ومنعوا عنهم أدنى وسائل الحياة ثم هجموا على قراهم ومارسوا بحقهم طرقا متفاوتة البشاعة
على ذات النهج أيضا ومنذ عام وثلاثة أشهر يحاصر هؤلاء المرتزقة بيت الجنيد ويهجمون بالأمس على قراهم وينكلون بهم ذبحا وسحلا.
ماذا فعلوا ؟ أي جرم ارتكبوه لترتكب بحقهم كل تلك المجازر؟!
ألف مبكية في حلق الإجابة تمنع من البوح بحقيقة أن لا ذنب لهم ولا جريرة سوى أنهم ينتمون إلى أسرة الجنيد.
لقد عرفنا المعارك وقرأنا عن الحروب سمعنا عن أصناف البشاعة وشاهدنا أشكال الوحشية غير أن ما حدث لآل الجنيد وحدث قبله لآل الرميمة أكبر مما سمعنا وشاهدنا .. أطفال ونساء وشيوخ يحاصرون منذ عام وثلاثة أشهر ،يحيط بهم الموت من كل جانب ،يتقدم نحوهم من كل مكان ،لا يملكون ثغرا ولو من السماء حتى ليفروا منه فالسماء مدروزة بالقذائف والرصاص .. وليس لهم حتى أسلحة شخصية ليدرأوا عن أنفسهم العذاب والموت. معهم منازلهم ومن دخل داره وأغلق عليه بابه ليس آمن أيضا..
ولكم أن تتخيلوا تلك الوحوش الآدمية وهي تتقدم نحو هؤلاء المساكين العزل بالبنادق والسواطير فتحرق المنازل وتقتل الأهل لك أن تتخيل أن يتقدم أحد أولئك المجرمين وبيده ساطورا حادا نحو منزلك فيقتحمه ويقتل أحد أبناءك أمام عينك ويقطع أيادي الآخر أمامك وأمام أولادك أيضا ثم يأخذك أسيرا إلى جهة مجهولة لا تدري متى ولا أين سيذبحك وأي طريقة سيتم سحلك بها
لماذا؟! لأنك من بيت الجنيد .
لك أن تتخيل أيضا أن هؤلاء سيحتفلون بقتلك ويرفعون أهازيج النصر.
لك أن تتخيل أن من من كان يدعوا إلى المدنية والمساواة بالأمس سيبرر جرائم التطهير العرقي التي ارتكبت بحقك وسيبارك نبش قبر جدك . أن من كان يطالب بتمييز ايجابي للفئات المهمشة وباطلاق لفظ المهمشين بدلا عن (الأخدام) سيغض الطرف عن الساطور وهو يحز رقبتك بدعوى أن جدك فلان أو فلان.
لك أن تتخيل أخيراً أن هذا يحدث لك في منطقة كانت تدعى عاصمة الثقافة.