المشهد اليمني الأول/
لم يكتف «البنك المركزي» في عدن بطباعة قرابة تريلوني ريال في أقل من عامين من دون غطاء نقدي، بل تحول إلى غرفة عمليات لإدارة عملية المضاربة بسعر صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني، منهمكاً بذلك القوة الشرائية للعملة الوطنية، ضارباً ما تبقى من حالة الاستقرار الاقتصادي والمعيشي في البلد.
كشفت وثائق مسربة من قبل رئيس «اللجنة الاقتصادية» المعين من قبل الرئيس عبدربه منصور هادي، حافظ معياد، وقوف «البنك المركزي» في عدن مع عدد من كبار الصرافين وراء عملية المضاربة بأسعار صرف العملات الاجنبية في السوق المحلي.
الوثيقة الموجهة من قبل معياد إلى رئيسة «الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد»، الموالية لهادي، أفراح بادويلان بواقعة فساد واسع النطاق، ناتج عن مصادرة فوارق سعر بيع العملة بقيمة قرابة 9 مليار ريال. الوثيقة التي وجهها معياد يوم أمس إلى «هيئة مكافحة الفساد»، لم تكن الأولى، إذ سبق للهيئة أن تلقت 3 رسائل سابقة بمخالفات جسيمة يقوم بها «البنك المركزي» في عدن، ولكن محافظ البنك المقرب من الإمارات محمد زمام، يرفض التعاطي مع أي جهات رقابية، مبرراً ذلك بأن البنك مستقل.
تعويم العملة
الوثائق التي حصل «العربي» على نسخه منها، تؤكد خروج «البنك المركزي» في عدن عن أهدافه كافة، واتجه القائمون عليه لاستغلال قرار نقله من صنعاء إلى عدن، وتنفيذ أجندة خاصة لا علاقة لها بقانون البنك رقم ( 14) لسنة 2000م، المعدل بالقانون رقم (21 ) لعام 2003م، والذي يؤكد في المادة ( 5 ) منه أن «الهدف الرئيسي للبنك هو تحقيق استقرار الأسعار والمحافظة على ذلك الاستقرار وتوفير السيولة المناسبة والملائمة على نحو سليم لإيجاد نظام مالي مستقر يقوم على آلية السوق».
وبعيداً عن القانون، أقدمت قيادة البنك المركزي السابقة على تعويم العملة الوطنية في يوليو من العام 2017م من دون مبررات، ومن دون أن تمتلك احتياطات نقدية من العملات الصعبة للحفاظ على استقرار العملة بمختلف الطرق، وهي خطوة تتناقض مع مهام البنك الرئيسية الممثلة بحماية العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وفق القانون، وتفرغ البنك من مهامه الرئيسية التي وجد من أجل تنفيذها.
فقرار التعويم رفع كافة القيود القانونية أمام المضاربين بأسعار العملات في السوق المحلي، في ظل افتقاد البنك لأي عملات ـجنبية تمكنه من تخفيف الطلب على العملات الأجنبية في السوق المحلي، وهو ما وضع الريال اليمني ومعه الاستقرار المعيشي والاقتصادي تحت رحمة كبار المضاربين، ولكن ما لم يكن متوقعاً أن يتحول البنك المركزي في عدن إلى غرفة عمليات للمضاربة بالعملة، بهدف تنفيذ توجيهات إماراتية التي تولت ملف الحرب الاقتصادية في اليمن منذ عام.
مضاربة رسمية
الوثيقة المسربة تؤكد أن «البنك المركزي في عدن وإلى جانبه عدد من كبار المضاربين منهم، تجار مشتقات نفطية مقربين من هادي، فيما عدد من كبار الصرافين يقفون وراء عمليات المضاربة الواسعة التي شهدها السوق اليمني خلال الربع الأخير من العام الماضي، والتي تسببت بتدهور حاد للأوضاع الإنسانية وتآكل رؤوس الأموال للقطاعين التجاري والمصرفي في البلاد»، كما تفيد بأن «إدارة محافظ البنك المركزي المعين من قبل هادي بطلب من الإمارات، محمد زمام، أساءت استغلال طباعة قرابة ترليوني ريال طبعت من دون غطاء وقامت بأوسع عمليات مضاربة في السوق المحلي».
وكشفت الوثيقة عن عدم التزام «بنك عدن» بأسعار الصرف التي يحددها ويعلنها بين فترة وأخرى، وخلافاً لما يحدده البنك من سعر لصرف الريال اليمني مقابل الدولار والريال السعودي، بينت الوثيقة أن البنك يقود عملية مضاربة بعيداً عن الأسعار المحددة من قبله، مقابل إحداث عدم استقرار في السوق، وكذلك بهدف الحصول على فوارق الصرف وتقاسمها بين إدارة البنك وعدد من شركائه من تجار نفط وصرافين.
فوارق السعر
بحسب «الوثيقة»، فإن فارق أسعار الصرف نتيجة المضاربة في سعر صرف الريال السعودي فقط من دون الدولار والعملات الأخرى في السوق من قبل البنك وشركائه من تجار الحروب، بلغت خلال الفترة (4/11 ــ 29/11/2018م «أكثر من 8 مليار و969 مليون ريال».
الوثيقة أكدت أن البنك وشركائه المضاربين لعبوا واستغلوا حالة عدم الاستقرار في السوق، وعملوا على إثارة مخاوف المواطنين والتجار وتمكنوا من كسب مئات المليارات من الريالات. ووفق ما جاء في «الوثيقة» المقدمة لـ«هيئة مكافحة الفساد» في عدن، فقد وقف المضاربون في تاريخ 21 ـ 11 الماضي، وراء 13 عملية مضاربة في يوم واحد، وبلغت فوارق السعر الناتج عن المضاربة 4.4 مليار ريال، كما تجاوزت فوارق سعر المضاربة بالعملات في السوق في يوم 29 من نفس الشهر الـ 2 مليار ريال يمني.
الوثيقة التي كشفت بالأرقام حجم الفساد المدار من قبل «بنك عدن المركزي» اقتصرت على فوارق سعر المضاربة من الريال السعودي، وهو ما يؤكد أن أرباح المضاربين بقيادة «بنك عدن» من جراء التلاعب بالدولار تصل ضعف فوارق التلاعب والمضاربة بسعر الريال السعودي.
(تقرير – رشيد الحداد)