المشهد اليمني الأول/

 

الساعة الرملية للجنرال الهولندي المعين من قبل الأمم المتحدة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار في الحديدة بدأت في حساب الوقت.

 

 

باتريك كامييرت عاجز عن تنفيذ مهمته، قالت صنعاء وهو منذ اليوم الأول شكل العقدة الأبرز في تعثر اتفاق وقف إطلاق النار بالحديدة رغم تقارب الطرفين في بعض اللقاءات التي جرت برعاية اللجنة الأممية في الحديدة.

 

 

لما يقرب من الشهر منذ وقف إطلاق النار في الحديدة، ومباشرة اللجنة الأممية مهامها لتطبيق بنود اتفاق السويد بشأن الحديدة تحملت صنعاء بصمت انحراف كامييرت عن حدود وصلاحيات مهامه في تطبق اتفاق استكهولم، أملا في إصلاح الأمر ودفع الاتفاق نحو النجاح حقنا للدماء اليمنية.

 

 

خرج عن صمته، وكشف رئيس الوفد التفاوضي محمد عبدالسلام بأن الجنرال كامييرت مثّل العقدة الأبرز لتعثر اتفاق الحديدة، يضع بداية العد التنازلي لإنهاء مهمته كرئيس للجنة المراقبين ما لم يعد إلى حدود مهمته وهو تطبيق بنود اتفاق استكهولم على الأرض وليس إجراء حوار جديد بشأنها، أو التطبيق الانتقائي، مع أن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفث أكد خلال زيارته الأخيرة لليمن أن اتفاق الحديدة قد جرى الحديث بكل تفاصيله في السويد.

 

أبرز محطات تعثر اتفاق الحديدة وكامييرت:

 

 مضى الجيش واللجان في تنفيذ إعادة الانتشار من ميناء الحديدة بشكل أحادي لدعم الاتفاق وبناء الثقة، في الوقت الذي ظل كامييرت يطالب بصورة تدعو للاستغراب إلى تأجيل الخطوة، وحين تمت وصفها بغير العملية.

 

 بدلا من إلزام الطرف الآخر بتنفيذ الخطوة المقابلة بإعادة الانتشار من ضواحي المدينة وكيلو 16، تبنى كامييرت وجهة نظر الطرف الآخر بفتح ممر إنساني من طريق كيلو 16 ورفع قوات الجيش واللجان لتحصيناتها، دون أن تنفذ قوات العدوان ما يستوجب من إعادة الانتشار بحسب مقتضيات الاتفاق.

 

أصر كامييرت على فتح طريق كيلو 16 وهو ما يتناقض وروح اتفاق استكهولم، وأن إلزام قوات العدوان من الانسحاب من كيلوا 7 و8، ما يهدد المدينة والمتواجدين فيها بحصار كامل.

 

انحرف كامييرت عن مهمة فريقه الأساسية بتطبيق ما اتفق عليه في مشاورات السلام اليمنية باستكهولم فيما يتصل بالحديدة إلى رعاية جلسات حوار جديدة حول الحديدة وهو ما رفضه وأدانه في وقته ممثلو حكومة صنعاء.

 

وأخيرا يصمت كامييرت عن آلاف الخروقات التي يرتكبها طرف العدوان ولم يكلف نفسه إصدار بيان يدين الطرف الذي يستمر بخرق وقف إطلاق النار رغم وصول قذائف العدوان والمرتزقة إلى محيط إقامته ولجنته.

 

تاريخ كامييرت مشين بالنسبة لعمله كمنسق لعمليات السلام دوليا، فبين عامي 1995 وعام 1998 ُعيّن باتريك كامييرت قائداً لمجموعة القوات الهولندية المشتركة في البوسنة والهرسك ومساعداً لقائد قوات الأمم المتحدة، وحينذاك طلبت بعثة الأمم المتحدة من المقاومين البوسنة تسليم سلاحهم كجزء من خطوات بناء الثقة بين المتصارعين.. لكنها اكتفت بالتفرج على المذابح والاغتصابات بعد انقلاب الصرب وعبرت بعدها عن قلقها بعدم التزام الطرف الصربي بالاتفاق.

 

وكاميرت مسئول بصفة شخصية عن مجزرة سربينتشا حيث لجأ آلاف الأهالي البوسنيين غالبيتهم نساء وأطفال هربا من بطش الصرب إلى معسكر للقوة الهولندية المشتركة التابعة للأمم المتحدة، التي انصاعت لطلب الصرب بإخراج الأهالي من مقرها حيث يحتمون من الموت بعد تقديم ضمانات زائفة لهم، وهي تعلم أن مذبحة كبيرة تعد لهم.

 

ووصف الأمين العام للأمم المتحدة حينها المجزرة بأنها الأسوأ أوروبيا منذ الحرب العالمية الثانية، حيث ذهب ضحيتها ما يقرب من ألف قتيل وجريح من البوسنيين.

 

وفي هذا الصدد يقول الكاتب علي العماد: “واليوم يريدونا أن نجرب المجرب عبر الانقلاب على اتفاق الحديدة”

 

ويواصل القول: منذ وصوله – أي كامييرت – وصف الاتفاق بالغامض ليتسنى له وضع التفسيرات والترتيبات التي تتيح له تحقيق أهداف الغزاة.

 

1- طلب فتح ممر إنساني عبر كيلو 16 حيث مناطق التماس والاشتباك وأصر على طلبه وطرحت له القيادة في صنعاء 3 ممرات أخرى سالكة ويستخدمها الجميع إلا أن الرجل مصر على ممر آمن في كيلو 16 ورفع التحصينات لتسهيل مرور القافلة الإنسانية أو بالأصح عملية الانقضاض على المدينة وما يعزز ذلك لم يطلب الرجل خطوة مماثلة من الطرف الآخر بإعادة الانتشار من مناطق التماس مع أنها الخطوة الأولى بناء على الاتفاق.

 

2- وصف الرجل خطوة الانسحاب من الميناء أنها غير عملية مع أنها من صميم الاتفاق.

 

3- قدمت له قوائم بخروقات الطرف الآخر وتجاهلها، منها ما تسببت في استشهاد مجاهدين كانوا يؤمنوا الطريق لوفد المرتزقة”.

 

ويلمح العماد إلى أن طلبات كامييرت لزيادة عدد البعثة الأممية إلى أكثر من 70 عضو بدلا عن  30 مراقبا خطوة خطيرة، وواحدة من أكثر المؤشرات خطورة والداعية إلى إنهاء مهمته.

 

لصنعاء باعُ سنين في التعامل مع موظفين أممين لا يحترمون مهمامهم، فهي – أي صنعاء – اكتسبت خبرة جيدة  لثلاثة أعوام في التعامل مع المبعوث الأممي سيء الصيت إسماعيل ولد الشيخ، ولم يستطع بخداعه ودهائه تمرير أهداف العدوان، قبل أن يسقط بضربة واتتها الظروف والمتغيرات وجهتها إليه صنعاء نهاية العام 2017م، لتختار الأمم المتحدة مضطرة المبعوث الجديد مارتن غريفث نهاية يناير 2018م.

 

والجديد الذي تفرضه الظروف الميدانية هو أن فرصة كامييرت في إثبات حياديته لا الخروج عن مهامه المنوطة مرهونة بالأيام لا بعدّ الشهور والسنين كما كان الحال مع المبعوث السابق ولد الشيخ.

 

صنعاء في العام الخامس غير حالها في بداية العدوان، يؤكد ذلك الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة في المؤتمر الصحفي الأول له خلال العام الحالي 2019 م حيث تحدث عن مفاجئات وقدرات تسليحية عالية باتت في حوزة الجيش واللجان الشعبية، وهي تؤجل إظهارها لمنح السلام فرصة ليس إلا.

 

عملية العند الجوية التي أطاحت برؤوس كبيرة للمرتزقة رسالة تأكيد على ذلك، وأتت فقط بعد يومين مؤتمر الناطق باسم الجيش لتأكيد الاقتدار أيضا، ومفادها أن المضي في طريق السلام أسلم، وغير ذلك فالمفاجآت قد وضعت على السكة وتنتظر الإطلاق.

 

على صفحته بتويتر كتب نائب وزير الخارجية حسين العزي قبل أيام ” لعلكم تتذكرون أنني كتبت منتصف العام المنصرم عن 5 أمور إذا تحققت قبل توقف الحرب فإن كل شيء سيتغير، والآن أستطيع أن أقول لكم بأن ثلاثة منها قد تحققت، فيما يوشك الرابع ويقترب الخامس، بعدها أقسم أن جيوش الدنيا لن تنقذهم بإذن الله “.

 

 من المؤكد أن الصور الجوية لخروقات العدوان الاستراتيجية حول مدينة الحديدة وبينها شق طرق اسفلتية التفافية حول المدينة، وبناء قواعد حصينة عرضت على كامييرت، وهو قرر الاستمرار في لعبته كسب الوقت بشكل مفضوح، ومن هنا يفهم خروج صنعاء إلى العلن لتقول للجنرال الهولندي “ساعتك الرملية قلبت “.

 

(تقرير – إبراهيم الوادعي)

مصدرالمسيرة نت